رجلان ولا أكثر، فتقول له: ما رجل فعل هذا، فيفهم أن الذي فعل رجلان أو أكثر، وهذا تخصيص للوحدة.

ولعلك تلحظ في الأمثلة السابقة أن المسند إليه وقع بعد النفي مباشرة دون فصل، وهذا ليس بشرط؛ فيجوز أن يفصل المسند إليه عن النفي السابق عليه ببعض المعمولات مثل: ما زيد أنا ضربته، وما في المنزل أنا صليت، وما يوم الجمعة أنا سافرت؛ فهذا كله مما يفيد التخصيص قطعًا عند الإمام عبد القاهر الجرجاني، والتقديم في مثل هذه التراكيب التي ذكرتها لك لا تقال إلا في مقام تحقق فيه الفعل وتريد أنت نفيه عن الاسم المتقدم، فيلزم ثبوته لغير هذا المتقدم؛ لأن الفعل واقع، وكل فعل لا بد له من فاعل، ومن هنا قالوا عن مثل: ما أنا فعلت هذا، أنها تفيد ثلاثة أشياء؛ أن الفعل مثبوت وموجود لا شك فيه، وأنه منفي عن الاسم المتقدم، وأنه ثابت لغير المتقدم على حسب النفي عمومًا وخصوصًا، فلا تقول: ما أنا سعيت في حاجتك، بتقديم الاسم إلا إذا كان السعي في الحاجة واقعًا ولا جدالَ فيه، وأنك تنفيه عن نفسك وتثبته لغيرك، وكذلك إذا قلت: ما أنا ضربت زيدًا، لم تقله إلا وزيد مضروب والمخاطب يدعي أنك الضارب له، فتنفي ذلك عن نفسك وتثبته لغيرك.

ومن أبين الأساليب على أن هذا التقديم يقتضي وجود الفعل ونفيه عن المسند إليه المقدم وإثباته لغيره قول المتنبي:

وما أنا أسقمت جسمي به ... ولا أنا أضرمت في القلب نارًا

فالسقم ثابت موجود، ولكن الشاعر يريد أن ينفي عن نفسه أنه الجالب له، ويثبت ذلك للهم الذي اعتراه وحَل به، ومثله في الوضوح قوله أيضًا:

وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله ... ولكن لشعري فيك من نفسه شعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015