ولنبدأ حديثنا عن الوصف:
يوصف المسند إليه أو المسند أو أحد متعلقات الفعل بدواع بلاغية كثيرة؛ منها: أن يكون الوصف مفسرًا وكاشفًا عن معنى الموصوف كما في قول أوس بن حجر يرثي نضارة بن كِلدة:
أيتها النفس أجملي جزعًا ... إ ن الذي تحذرين قد وقعا
إن الذي جمع الشجاعة والنـ ... جدة والبِر والتقى جمعا
الألمعي الذي يظن به الظـ ... ن كأن قد رأى وقد سمعا
أودَى فلا تنفع الإشاحة من ... أمر لمرء يحاول البدعا
فقول: الألمعي، صفة كاشفة وموضحة للمسند إليه الذي جمع الشجاعة والنجدة والبر والتقى؛ ولذا حكي أن الأصمعي لما سئل عن الألمعي أنشد تلك الأبيات ولم يزد، واقرأ في ذلك إن شئتَ قول الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (المعارج: 19 - 21) ف قوله: {هَلُوعًا} حال من نائب الفاعل وهو وصف كاشف ومفسر وموضح لحقيقة الإنسان، يقول الزمخشري: الهلع سرعةُ الجزع عند مس المكروه، وسرعة المنع عند مس الخير من قولهم: ناقة هلوع؛ أي: سريعة السير، وعن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلعُ؟ قلت: قد فسره الله تعالى.
ومنها أن يكون الوصف مخصصًا للموصوف، ومعنى تخصيصه له تحديده ورفع احتمال غيره في المعارف وتقليل الاشتراك في النكرات، كقولك: زيد التاجر حضر، ومحمد العالم ذهب، ورجل فقير عندي، وامرأة مؤمنة تزوجت.
ومنها أن يكون الوصف مشعرًا بمدح كما في قول الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة: 1) وقوله -عز وجل-: {اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} (الحشر: 24)