بمعونة المقام وبناء المصدر للمرة وبالكلمة نفسها، خلافًا للخطيب القزويني الذي ظن أن إفادة التنكير يجب أن تكون بمعزل عن مثل هذه الدلالات، كما يدل على ذلك كلامه في (الإيضاح).
ومن تنكير المسند إليه لإفادة التقليل قوله تعالى على لسان إبراهيم - عليه السلام- لأبيه: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} (مريم: 45) فقد جاء المسند إليه: {عَذَابٌ} منكرًا لإفادة التقليل؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - إذا كان يروعه أن يمس أباه قدر ضئيل من العذاب فكيف بالكثير الجسيم؟!
وإلى هذا ذهب الزمخشري معللًا إرادة التقليل بأن إبراهيم - عليه السلام - لم يخلِ الكلام من حسن الأدب مع أبيه، حيث إنه لم يصرح فيه أن العذاب لاحق لاصق به، ولكنه قال: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} فذكر الخوف والمس ونكَّر العذاب، وذهب بعض البلاغيين منهم السكاكي إلى جواز إرادة التهويل والتعظيم من هذا التنكير، ومع أن النكات البلاغية لا تتزاحم فإن ما ذهب إليه الزمخشري أدق وألطف لمناسبته الواضحة للمقام.
إلى غير ذلك من الأغراض التي تقتضي تنكير المسند إليه كأن يمنع من تعريفه مانع كما في قول الشاعر:
إذا سئمت مهنده يمين ... بطول الحمل بدله شمالًا
حيث نكر لفظ يمين وهو المسند إليه؛ تحاشيًا من أن ينسب السآمة بصريح اللفظ إلى يمين الممدوح فيما لو قال: يمينه بالإضافة، ومع أن المراد بيمين في قول الشاعر: هو يمين الممدوح فإن إسناد السآمة إليها معرفة فيه جفوة تتنافَى مع مقام المدح، وكأن ينكر المسند إليه لإرادة إخفائه عن المخاطب؛ خوفًا عليه، مثل أن تقول لآخر: قال لي رجل: إنك انحرفت عن الحق فتخفي اسمه لئلا يلحقه أذى من هذا المخاطب؛ لأنه نسب إليه ما لا يحب.