شيء قليل من رضوان الله خير مما ذكر في صدر هذه الآية من الجنة ونعيمها، وإنما كان الرضوان وإن قل أكبر من كل ما في الجنة من النعيم؛ لأن المراد إعلامهم بأنه أكبر من كل نعيم يأتي بلا إعلام، أو أن ما عَدَا الرضوان من صنوف النعيم مسبب عنه ولأنه من ثمراته ونتائجه، يقول الخطيب القزويني: وشيء من رضوانه أكبر من ذلك كله؛ لأن رضاه سبب كل سعادة وفلاح، ولأن العبد إذا علم أن مولاه راض عنه فهو أكبر في نفسه مما وراءه من النعيم، وإنما تهنأ له برضاه، كما أنه إذا علم بسخطه تنغصت عليه ولم يجد لها لذة وإن عظمت.
ونظير ذلك قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} (مريم: 15) وقد أفاد تنكير المنسد إليه سلام التقليل؛ لأنه من قبل الله تعالى والقليل منه كثير ومغن عن كل تحية، ولذا جاء معرفًا في قصة عيسى - عليه السلام-: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} (مريم: 33)؛ لأنه ليس واردًا من جهة الله، بل هو من قول عيسى - عليه السلام- ولهذا الغرض تجد أن السلام لم يرد من جهة الله تعالى في النظم الكريم إلا منكرًا، فارجع مثلًا إلى قول الله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (يس: 58) {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} (هود: 48) {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} (الصافات: 130) وهكذا.
ومن تنكير المسند إليه لإفادة التقليل قولهم: كلمات تتضمن حكم ًا خير من سفر يمتضخ هُراء، فقد نكر المسند إليه كلمات ل إفادة معنى التقليل وللمقام أيضًا نصيب في إفادة هذا المعنى، كما أن للكلمة ذاتها نصيبًا في هذه الإفادة -كما قلنا- في إفادة التنكير بالتكثير؛ إذ لا مانع من أن يجتمع في المثال الواحد عدة دلالات على معنى واحد، ومن هنا كان التنكير في قوله تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} (االأنبياء: 46) لإفادة التقليل كما ذهب السكاكي