وأما قول أبي الطيب:
ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... وظل يسفح بين العذر والعزل
أي أكففت دمعي، فالتصغير فيه مختار؛ لأن العادة جارية في قلة عدد من يصحب الإنسان في مثل هذه المواضع، ولهذا كانوا في الأكثر ثلاثة، وجرى ذكر الصاحبين والخليلين في الشعر كثيرًا لهذا السبب، كما قال امرؤ القيس:
خليلي مرا بي على أم جندب ... نقص لبانات الفؤاد المعذب
وقال ابن نباتة:
قفا فاقضيان لذة من حديثه ... علانية إن السرار مريب
والذي نريد أن نخلص إليه أنه وعلى الرغم من اختلاف الأصل اللغوي لكلمتي الفصاحة والبلاغة إلا أنهما يلتقيان في الإبانة عن المعنى وإظهاره، وقد لحظ هذا كثير من البلاغيين المتقدمين، فجعلوهما في الاصطلاح شيئًا واحدًا، وعلى رأس هؤلاء البلاغيين الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) حيث عقد فصلًا في تحقيق القول على الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة، وما شاكل ذلك من ألفاظ مترادفة. يقول عبد القاهر: "ومن المعلوم أنه لا معنى لهذه العبارات غير وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها فيما كانت له دلالة، ثم تبرجها في صورة هي أبهى وأزين وآنق وأعجب وأحق بأن تستولي على هوى النفس، وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب". انتهى. ومن ذلك يتضح أن الفصاحة والبلاغة عنده بمعنى واحد، وهو رأي الزمخشري من بعده وكذلك الفخر الرازي.
وهناك رأي آخر لبعض البلاغيين المتقدمين يفرق بين الفصاحة والبلاغة في الاصطلاح تبعًا لاختلاف مدلولهما اللغوي؛ إذ يقول: الفصاحة تمام آلة البيان. هذا ذكره في (الصناعتين) فهي مقصورة على اللفظ لأن الآلة تتعلق باللفظ دون