وعلى الرغم من أن هذه الخصوصية باسم الإشارة من معناه الأصلي، فهناك من المقامات ما يستدعي إبراز العناية بأمر المسند إليه وتقرير الحكم المحكوم به عليه وتأكيده، وخير ما يحقق هذا المطلوب تمييز المسند إليه أكمل تمييز؛ لذا يلجأ المتكلم في هذا المقام إلى تعريف المسند إليه بالإشارة ليتحقق لكلامه المطابقة لمقتضى الحال؛ نظرًا لهذه الخصوصية الكامنة في اسم الإشارة، نرى ذلك مثلًا في مقام المدح؛ لأن التمييز الأكمل أعون على كمال المدح وأدل على العناية بأمر ممدوح كقول ابن الرومي يمدح أبا الصقر الشيباني وزير المعتمد:
هذا أبو الصقر فردًا في محاسنه ... من نسل شيبان بين الضال والسلم
ويذكر أن الممدوح فذ في خلقه وخلقه لا يدانيه فيهما أحد، وأنه سليل قوم ذوي شمم وإباء يعيشون بين أشجار الضال والسلم وهما نوعان من أشجار البادية، وهم يسكنون البادية وسكناها عند العرب يعني الوصف بالعز والمجد؛ لأنها لا تخضع لسلطان حاكم ولا تدين لسلطة قانون كما يوجد في الحضر؛ ولذا قال أبو العلاء المعري:
الموقدون بنجد النار بادية ... لا يحضرون وفقد العز في الحضر
ومن تعريف المسند إليه باسم الإشارة في مقام المدح لتميزه أكمل تمييز قول الحطيئة:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
فهنا يمدح الحطيئة هؤلاء القوم ويذكر أنهم أشراف ماجدون إن طلبوا مجدًا تلمسوه من أشرف السبل وأهداها، وأنهم أوفياء العهد لا يعرفون الغدر، وأنهم أقوياء العزيمة إن أبرموا أمرًا عقد عليه الخناصر فلا يتقاعسون.