والأزهار التي يهبها الله تعالى للطبيعة حياةً لها؛ أي: أنك جعلت ما ليس بحياة حياةً على التشبيه، وفي الفعل أحيا استعارة تبعية، فهو مجاز لغوي، والمسند إليه أشاب له معنى حقيقي، فهو مرحلة من مراحل العمر وطور من أطواره والمقصود منه هنا الربيع؛ أي: أن لفظ شباب الزمان مستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة أيضًا، معنى المعنيين الحقيقي والمجازي، فكل منهما يمثل مرحلة ازدهار وابتهاج فهو مجاز لغوي أيضًا، فالطرفان إذن مجازان لغويان، وأما إسناد الفعل إلى شباب الزمان فهو مجاز عقلي علاقته الزمانية أو السببية.
القسم الثالث من أقسام المجاز العقلي باعتبار طرفيه: أن يكون المسند مجازًا لغويًّا والمسند إليه حقيقة مثل: أحيا الأرض الربيع، فالمسند أحيا مجاز لغوي -كما سبق أن ذكرنا - والمسند إليه وهو الربيع مستعمل في معناه الحقيقي فهو حقيقة لغوية، ومن هذا النوع قول المتنبي يصف ممدوحه بالشجاعة والكرم:
وتحيي له المال الصوارم والقَنا ... ويقتل ما تحيي التبسم والجِدا
فقد جعل الشاعر الزيادة والوفور حياةً في المال كما جعل تفريقه في العطاء قتلًا، ثم أثبت الحياة فعلًا للصواري، والقتل فعلًا للتبسم، مع أن العلم بأن الفعل لا يصح منهما.
ومنه قولهم: أهل النار الدينار والدرهم، فإسناد أهلك إلى الدينار والدرهم مجاز عقلي علاقته السببية، ولفظ أهلك المسند ليس حقيقة بل مجاز عن الفتنة؛ إذ الإهلاك مسبب عن الفتنة فهو مجاز مرسل علاقته المسببية، وقد أسند إلى الدينار والدرهم إسنادًا مجازيًّا، ف التجوز واقع في الإسناد وفي المسند، في الإسناد مجاز عقلي وفي المسند مجاز لغوي.