مفتاح السكاكي في علم البلاغة؛ لأن ملكة النحو كانت غالبة عليه، وكان هذا سببًا في إعراض المتأخرين عن كتابه، وأما تلخيص الخطيب القزويني فإنه هذب كثيرًا في مفتاح السكاكي، فقدم في مباحثه وأخر، وزاد عليه ما تجب زيادته من كتب البلاغة.

وكان أسلوبه فيه أوضح من أسلوب السكاكي، ولكنه جعله أسلوبًا تقريريًّا لا يعنى إلا بجمع القواعد في أوجز لفظ حتى أسرف في الإيجاز إسراف عبد القاهر في الإطناب، وجعل من تلخيصه متنًا يحتاج إلى شروح وحواشٍ وتقارير، ولكن عيبه هذا كان موضع تقدير المتأخرين وإعجابهم، فلما فرغ من تلخيصه شعر هو أيضًا بحاجته إلى شرح، فوضع كتابه (الإيضاح) كشرح له، يجري على ترتيبه في إطناب يختصره أحيانًا من كتابي عبد القاهر، وأحيانًا من كتاب السكاكي مع شيء من التهذيب فيه، ومع كثير من النقد الذي يفصله أحيانًا، ويرمز إليه أحيانًا بقوله: "وفيه نظر" وبهذا جاء (الإيضاح) وسطًا بين إيجاز (التلخيص) وإسهاب عبد القاهر. وكان بهذا هو الكتاب المميز عن غيره من كتب البلاغة القديمة، ولا يزال حتى يومنا هذا.

ولكنه على هذا لم يرزق من الحظوة عند المتأخرين ما رزق التلخيص؛ لأنهم شغفوا بالمتون حفظًا وشرحًا، وقد نظروا إلى التلخيص على أنه متن من المتون، فشغفوا بحفظه وشرحه، وكان من السابقين إلى شرحه سعد الدين التفتازاني، فوضع له شرحًا مطولًا سماه (المطول)، وشرحًا مختصرًا سماه (المختصر)، وكان سعد الدين من علماء العجم الذين تأثروا بالسكاكي في طريقته التقريرية، وفي ضعف أسلوبه لضعف سليقته العربية، بل كان هو وأمثاله ممن أتى بعد السكاكي من علماء العجم أضعف من السكاكي ذوقًا وسليقة، فمضوا في الطريقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015