يسرف في العبارات المترادفة، حتى تطغى على تقرير القواعد، وعلى ما عني به من استخلاص أسرارها من الشواهد النثرية والشعرية. وهو فيما عني به من الأمرين الناقد الأديب والبليغ الحاذق، وقد طفر بهذا في علم البلاغة طفرة لم يسبق إليها، ولم يأت بعده من سار على هديها.
ثم جاء أبو يعقوب السكاكي بعد عبد القاهر فلمح ما أشار إليه فيما سبق، من الفروق الثلاثة بين مباحث علم البلاغة: المعاني والبيان والبديع، فميز بعضها عن بعض تمييزًا تامًّا، وجعل لكل مبحث منها علمًا خاصًّا، فكان من هذه علوم البلاغة الثلاثة السابقة، ثم جاراه في تقرير قواعدها، وزاد عليه زيادات كثيرة في تقريرها، وهذا في قسم البيان من كتابه (مفتاح العلوم) وقد جرى على ترتيبه لهذه المباحث من أتى بعده من المتأخرين، فكان السكاكي عمدتهم في هذا الترتيب. ولا شك أن السكاكي بهذا يعد إلى حد ما من تلاميذ مدرسة عبد القاهر، ولكنه كان ناقدًا، ولم يكن أديبًا؛ لأن أسلوبه في كتابه لم يكن أسلوب البليغ الرصين مثل عبد القاهر؛ لأن العجمة كانت غالبة على أسلوبه، وكان الأسلوب التقريري الذي لا يعنى إلا بتقرير القواعد غالبًا عليه، فكان في أسلوبه كثير من الغموض والتعقيد، وضعف التأليف، ومثل هذا قد يفيد الناظر فيه علمًا، ولا يفيده أسلوبًا بليغًا، بل يفسد فيه ملكة البلاغة، وبهذا يكون ضرره أكبر من نفعه.
وقد جاء بعد السكاكي عالمان كبيران أرادا أن يحذوا في علم البلاغة حذوه، أولهما ابن مالك النحوي المشهور في كتابه (المصباح لتلخيص المفتاح) وثانيهما الخطيب القزويني في كتابيه (تلخيص المفتاح) و (الإيضاح لتلخيص المفتاح) وثانيهما كان كالشرح للأول. فأما مصباح ابن مالك فإنه لم يهذب كثيرًا من