منهما، وأصل الإسناد: يوم مشرقة شمسه فيه، ونهار عاصفة ريحه فيه، فأسند الحدث إلى زمانه على سبيل المبالغة. ومنه قوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} (المزمل: 17) حيث أسند شيب الولدان إلى اليوم، واليوم لا يجعل الوليد يشيب، وإنما يجعل الولدان شيبا هو الله -سبحانه وتعالى- في هذا اليوم، فالإسناد في الآية الكريمة مجازي؛ لأن الفعل لم يسند إلى فاعله الحقيقي وهو الله، بينما أسند إلى الزمن الذي يقع فيه، فهو مجاز عقلي علاقته الزمان.
ويدخل هذا النوع في الشعر العربي. وانظر إن شئتَ إلى قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا ... ويأتيك بالأنباء من لم تزود
وقد أسند إلى الأيام قدرتها على إظهار ما يجهله الإنسان، والأيام غير قادرة على تحقيق ذلك، وإنما الفاعل الحقيقي هو الله - قدرته - وأصل الإسناد: سيبدي الله لك في الأيام ما كنت جاهلًا. وعليه قول المتنبي:
كلما أنبت الزمان قناة ... ركب المرء في القناة سنانا
وحقيقة الإسناد هنا أنبت الله في الزمان قناة، والقرينة هي استحالة صدور الإنبات من الزمان.
وتأمل قول أبي البقاء الرندي:
هي الحياة كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان
فالزمن لا يقدم مسرة ولا إساءة، وإنما الحوادث التي تقع في الزمن هي التي تفعل ذلك؛ فالإسناد في هذه الأبيات مجاز عقلي علاقته الزمانية؛ لأن الفاعل المجازي يشابه الفاعل الحقيقي في ملابسة الفعل؛ لأنه زمن، والكلام مبناه على التؤول