وأصل الإسناد هنا: إذا جدوا جدهم، فالفاعل الحقيقي هو الضمير العائد على قوم أبي فراس، ولكن الشاعر عدَل عن هذا الأصل للمبالغة، فأسند الفعل جد إلى مصدره، والعلاقة هي المصدرية، أما القرينة التي ترشد إلى هذا التجوز وتدل على أن الكلام مصروف عن ظاهره، فهي استحالة صدور الفعل جد من الجد، ومنه قولهم أيضًا: شعر شاعر، وهو مجاز عقلي علاقته المصدرية وقرينته استحالة صدور الفعل من مصدره، فالكلام مبناه على التؤول.
ومن ذلك أيضًا قولنا: الله جل جلاله وعظمت عظمته، ف قد أسند الفعل إلى مصدره وكان حقه أن يسند إلى فاعله الحقيقي وهو الله -جل وعلا- فيقال: جل الله جلاله وعظم عظمته، ثم عدل عن هذا الأصل؛ للمبالغة في وصفه تعالى بالجلال والعظمة.
العلاقة الرابعة الزمانية: وتكون بإسناد الفعل إلى زمانه الذي وقع فيه كما في قولك: صام نهاره وقام ليله، وقولهم: نهاره صائم وليله قائم؛ فالنهار لا يصوم والليل لا يقوم، الذي يفعل ذلك حقيقةً هو العابد، إذ يصوم في نهاره ويقوم في ليله، ف إسناد الصيام والقيام إلى النهار والليل هو من قبيل إسناد الفعل إلى زمانه الذي وقع فيه. ومنه قول جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت وما ليل المطي بنائم
حيث أسند الوصف نائم إلى الضمير العائد على الليل مع أن الليل لا ينام، إنما هو ظرف زمان يقع فيه النوم، وقد أسند ما هو في معنى الفعل إلى زمانه مجازًا عقليًا علاقته الزمان، ومنه قولهم: يوم مشرق ونهار عاصف، وقد أسند الإشراق والعصف إلى اليوم والنهار، وحقهما أن يسندَا إلى الفاعل الحقيقي بكل