الحالة الثالثة:
أن تكون وحدات المعنى الْكُلّي الذي دلّ عليه المتكلم بعبارة ما، تجتمع في حكم وتفترق في حكم آخر يَلْمَحُه أديبٌ فطِن بفطنته البلاغيَّة، فيسوق تعبيره الأدبي البديع دالاَّ بِه على حُصُول الاجتماع من جهة الحكم الجامع، وحصول الافتراق من جهة الحكم المختلف.
وهذا ما يُطْلَقُ عليه في البديع "الجمع مع التفريق".
وإذا كانت جهة التفريق جهةَ تفاضل في نسبة الصفة لا جهة وجود الصفة وعدمها، فقد يطلقون عليه في البديع "جمع المؤتلف والمختلف" وهذا فيما أرى تدقيق لا لزوم له، ويُمثّلُون لهذا بقول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الأنبياء/ 21 مصحف/ 73 نزول) بشأن داود وابنه سليمان عليهما السلام:
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ... } [الآيات: 78 - 79] .
ففي هذا النّص تسويَةٌ بين داود وسُليمان بأنّ الله آتاهما حُكْماً وعلماً، وتفضِيلٌ لسليمان في تفهيمه الحكم الأكثر تحقيقاً للعدل في القضيّة الّتي جاء بيانها في النّصّ وقضى فيها داود بقضاء استدرك عليه فيه ابْنُه سليمان وكان صغير السّنّ.
أمثلة:
المثال الأول: قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الإِسراء/ 17 مصحف/50 نزول) :
{وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الليل وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الآية: 12] .
أبانَ هذا النّصّ أنّ اللَّيْلِ والنَّهَارَ قد اجْتَمَعَا فِي كَوْنهما آيَتين من آيات الله عزَّ وجلَّ في كونه (هذه جهة اجتماع) .