والصورة في المثال الثالث رسمت حركة السُّحب الخفيفة الموزّعة، وكيفية سوقها الرفيق، ثم رسمت التأليف بينها وتجميعها، حتّى تُغَطِّي ما فوقها من سماء، ثم رسمت تكديس بعضها على بعض حتى تتراكم وتكون كالجبال القائمة بين السماء والأرض.

ثم انتقلت الصورة إلى رسم خروج حبّات المطر من خلال السحاب المتراكم، وتركت للخيال سائر الظواهر التي تحدث، ليتمّها بنفسه من رعد وبرق ورياح.

ثم انتقلت إلى ظاهرة نزول البَرَد بدل المطر، وألمحت إلى أنّ السحاب المتراكم يكون في هذه الحالة بمثابة جبالٍ من بَرَدٍ اجتمع بعضه إلى بعض، إذْ قد جمَّدت البرودة وحدات مائيّة فيها فكانت بَرَداً.

ولمّا كان المطر أقرب إلى أن يكون ظاهرة رحمة، والبَرَد أقرب إلى أن يكون ظاهرة عذاب مع احتمال خلاف ذلك في كل منهما، رتّبت الآية على كُلٍّ منهما قوله تعالى:

{فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ} [النور: 43] . أي: رحمةً كان أو عذاباً.

ثم رسمت الصورة لمحة من ظاهرة البرق، فقال تعالى:

{يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبصار} [النور: 43] .

فكم في هذه الأمثلة من إتقان في إبراز دقائق الصورة، مع استيفاء العناصر اللاّزمة لإِبراز الحقيقة بشكل واضح وجميل، ومع ترك جوانب منها يستطيع الخيال أن يستكملها بنفسه دون عناء.

* ومن ترك ما يستكمله الفكر بنفسه في الكلام، ما نلاحظه في الأمثلة القرآنية التالية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015