فالصورة في المثال الأوّل قدّمت أعمال الكافرين على شكل سراب، يراه الظمآن السائر في الصحراء وهو بعيد عنه ماءً، فيسعى إليه ليشرب من مائه، ويُطْفِىءَ ظمأه، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، لأنَّه كان انعكاس أشعةٍ تُخيِّل للناظر إليه من بعد أنّه ماء.

وكذلك حال الكافر الذي يقدِّم أعمالاً يَظُنُّ أنّها تُسعدهُ في دنياه، أوتنفعه في آخرته، وما هي في الحقيقة إلاَّ بمثابة سراب، وهو إذا وصل إلى موطن المحاسبة والجزاء على الأعمال، لم يجد أعماله شيئاً، لأنّها لم تكن ثمرة إِيمان بالله واليوم الآخر، بل وجد الله عنده هو الذي له الحكم والأمر، وبيده الحساب والجزاء، فوفّاه حسابه بعدله وحكمته، فحاسبه على كفره، فسقط بالمحاسبة على الكفر كلُّ عمل صالح كان قد عمله، لأنّه لم يكن قائماً على أساس مقبول عند الله.

والصورة في المثال الثاني صوّرت الحالة النفسيَّة والفكرية والقلبية للّذين كفروا، بعد أنْ تركوا نور الهداية الربّانيّة، بحالة من هو في ظلماتِ قاعِ بحرٍ عميق، فوقه أمواج في العمق تزيد الظلمة، فوقها أمواج في السطح تضاعف الظلمة، فوقها سحاب يزيد الظلام ظلاماً، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يقارب رؤيتها لشدّة الظلمة.

ومن كان كذلك فلا بدّ أن يسلك مسالك المهالك.

وكذلك حال الذين كفروا في أعمالهم، وفي تحديد الغاية من أعمالهم، وفيما يقرّرون من أسباب لذلك. إنَّهم يطلبون سعادتهم في الظلمات، فقلوبُهُمْ مظلمة بالكفر، ونُفُوسُهمْ تائهة في بحر لُجيّ من ظلمات الأهواء والشهوات، وأفكارُهُمْ تسبح في ظلمات أسباب لذّات الحياة الدنيا، وإراداتُهم تتخبّط تحت كلّ هذه الظلمات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015