الفجور لتلبية مطالب شهواتهم وأهوائهم، مع تعلُّقِهِمْ بالعاجلة وتشبُّثِهِمْ بزينتها، أُمُورٌ تَرُدُّهُمْ بَعْدَ الأمْنِ والاطمئنان والنِّعْمةِ والرَّخَاءَ، إلى مَا كانوا فيه من بغْي قبل ذلك.
فاقتضى تشبيه حالهم بحال أمثالهم السابقين لهم حكايَةَ قِصَّةٍ مِنْ قِصَص الكافِرِين السّابقين.
ولهذا توقّفَ النصّ عند الفِقَرةِ الأولى المتعلّقة بشأن المخاطبين إبَّانَ التنزيل وبَعْدَه، وانْتَقَلَ مُبَاشَرةً إلى تصوير مَشْهَد قومٍ كافِرينَ جرَتْ بهِمْ الْفُلْكُ بريحٍ طيّبة، فقال الله عزّ وجلّ بأسلوب حكاية خَبَرٍ عن حدَثٍ مضى: {وَجَرَيْنَ بِهِم} .
واكتَفَى النّصّ بالمقدّمة الّتي وُجّهَتْ للمخاطبين، عن ذكر نظيرها ممّا يخصُّ المتحدّث عنهم بالغيبة، فكأنّه قال لهم: فسيكون حالُكُمْ كحال كافرين قبلكم رَكبوا في الْفُلْكِ.
وحصل الاكتفاء بإشارةِ قول الله عزّ وجلّ للمخاطبين: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك} عن أن يقول لهم: إنّكُمْ لو تعرَّضْتُّمْ لمثل ما تعرّض له أصحابُ هذه القصّة لكنْتُمْ مثلَهُمْ، للتشابُه بينَكُمْ وَبينَهُمْ في أصْلِ الْفِطْرَةِ، وفي الدوافع إلى الكفر والبغي.
هذا فنٌّ من الإِبداع في الإِيجاز بعرض المشاهد الماضية مع الإِشارة التعريضيّة الضمنيّة إلى أنّ المخاطبين مثل أصحاب هذه المشاهد، غير فنّ الالتفاتِ من الخطاب إلى الغيبة، إنّه من الصُّور الأدبيّة العجيبة في البيان.
وإذْ تقرّر في هذا النصّ من سورة (يونس) هذا الوصف للمخاطبين، باعتبارهم نُظَراء أشباههم، أنزل الله بعده في سورة (العنكبوت/ 29 مصحف/ 85 نزول) قوله بشأن عموم الكافرين الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، وقد جاء في معرض الحديث عن مشركي مكة: