(3) وقول الله تعالى في سورة (مريم/ 19 مصحف/ 44 نزول) حكاية لقول زكريّا عليه السلام إذ نادى ربّه نداءً خفيّاً:
{قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي واشتعل الرأس شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [الآية: 4] .
ففي تصوير تسارع انتشار الشيب في رأسه حتى عمّ الرأس بحالة الاشتعال الذي يسارع انتشاره في الهشيم، براعة تدلّ على الحالة النَّفسيّة التي أخذ يعاني منها، والتي بدأت تكويه بنار اليأس التي أخذ لَهَبُهَا ينتشر شيباً في شعر رأسه.
(4) وقول الله تعالى في سورة (القمر/ 54 مصحف/ 37 نزول) :
{فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [الآيات: 11 - 12] .
ففي هذا النّص تصويرٌ بارع يُبْرِزُ مشهدَ انصباب الماء من السماء، حتى كأنّ أبواباً فيها هي بمثابة سُدودٍ فتحت فانصبّ الماء المنحصر وراءها. ويُبْرِزُ مشهدَ تفجُّر الماء من مواضع لا تحصى من الأرض، حتّى لكأنّ الناظر إلى الأرض يرى أنّها كلّها قد صارت عيوناً يتفجّر الماء منها تفجّراً، ليلتقي في بحرٍ طامٍ خِضَمِّ لا يُبْقِي ولا يذر.
ومن البراعة في إبراز وتصوير الأحاسيس والمشاعر النّفسية، والأفكار، تجسيدُها في أمثلة حسيّة ماديّة، كتمثيل العلم بالنور، والجهل بالظلمات. وكتمثيل الكفر بالعمى، والإِيمان بالبصر. وكتمثيل القرآن بقلب المؤمن في هدايته بمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنّها كوكب درّي.
قال الله تعالى في سورة (النور/ 24 مصحف/ 102 نزول) :
{الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ