ومن بديع هذا النَّقل أيضاً قول الله تعالى: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] ففيه إضفاء السيلان على الأودية، وهي لماء السيول فيها، لأنَّ الأودية حينما تسيل فيها السيول العارمة تُوقِعُ في خيال المُشَاهِد المندهش أنّ الأودية والجبال أنفُسَها تسيل مع حركة المياة الجارفة فيها.

ومن بديع هذا النَّقل أيضاً قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"ومَنْ بَطَّأ به عمله لم يُسْرعُ به نسبه".

ففيه إضفاء صفة التبطيء على العمل، هي في الأصل صفة للكسل أو التقصير في العمل، ولكنّ التخيّل إذا رأى العامل المقصِّر الكسول تصوّر أنّ عمله هو الذي يطّأ به، إذ العمل هو الحركة المشهودة، أمّا الكسل أو التقصير فيهما لا يُشَاهَدَان نظراً، وإنَّما يُدْرَكَان فكراً، وفيه إضفاء صفة الإِسراع أو عدمه على النَّسب! لأنَّ النَّاس يتخيَّلون أنّ من لم ينَل السبق بعمله ربَّما ناله بنسبه، فيُعْطَى ذو النَّسب الكريم مَنْزِلَ السبق لمجرّد نسبه.

ويدخل في هذا العنصر نقل صفة الحيّ وإضفاؤُها على الذي لا حياة له، ونقل صفة الذي لا حياة له وإضفاؤها على الحيِّ، لأنَّ التخيُّل يلاحظ في المنقول إليه لمحات من صفة المنقول منه، ومن هذا استنطاق الجماد الذي لا ينطق، ومخاطبته كأنَّه ناطق يتكلّم.

والأمثلة على ذلك كثيرة في أبلغ الكلام، ومنها الأمثلة القرآنية التالية:

(1) قول الله تعالى في سورة (ق/ 50 مصحف/ 34 نزول) :

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [الآية: 30] .

(2) وقول الله تعالى في سورة (فصِّلت/ 41 مصحف/ 61 نزول) :

{ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [الآية: 11] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015