{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الآيات: 21 - 22] .
جاء في هذا النّصِّ وصْفُ المؤمن في الجنّة بأنّ عِيشَتَهُ رَاضِية، والأصْلُ أنْ يكون هو الرّاضي بها، فأسْنِد الرّضا إلى العيشة، والملابَسَةُ أنّه هو صاحِبُ العيشة، فهي جزءٌ من ذاته.
والغرضُ البيانيُّ الإِشعارُ بمصاحبة الرضا لكلّ أجزاء عيشة المؤمن في الجنّة، فلا يُوجَدُ عُنْصرٌ منها، ولا أجزاءٌ زَمَنيّةٌ مرافقة لها، تخلُو من الرّضا، وهذا المعنى لا تؤدّيه عبارة: فهو راضٍ عن عيشته، وذلك لأنّ الإِنسان قد يرضى عن عيشته ولو دخلت ضمنها منغِّصات، إذ هو ينظر إلى عيشته باعتبار الأغلب من أحوالها، بخلاف العيشة نفسها التي تمرُّ أجزاءً مع توالي الأزمان، إذْ كُلُّ جزء منها مُنْفَكٌ عن سابقه وعن لاحقه، فإسناد الرضا إليها يدلُّ على أنّ كلَّ أجزائها مغمورٌ بالرضا.
(8) قول الله عزّ وجلّ في سورة (محمّد/ 47 مصحف/ 95 نزول) بشأن تخوّف الذين في قلوبهم مرض من أن يَنْزلَ قرآن يوجب عليهم القتال:
{ ... فأولى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأمر فَلَوْ صَدَقُواْ الله لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} [الآيات: 20 - 21] .
العزْم على القتال والإِلزامُ به من شأن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم من شأن أولياء الأمر من بعده، فالأَمْرُ هُو أَمْرُهُمْ.
وقد جاء في هذا النّصّ إسناد العزم إلى الأمر، بدلَ إسناده إلى صاحب الأمر على طريق المجاز العقلي، والملابسة تلاحظ من جِهَتَيْن:
الأولى: أنّ فاعل العزم على القتال هو الذي يَمْلِك الأمر به.
الثانية: أنّ الأمر بالقتال إلزاماً يكون معزوماً عليه.
والغرض البيانيّ فنيَّةُ الأَداء، مع الإِيجاز، ويوجَدُ في هذا المجاز إشعارٌ بأنّ الضرورة أو المصلحة الشديدة لجماعة المسلمين هي الّتي تجعل وليَّ الأمر يَعْزِمُ