على الأمر بِالقتال إلزاماً، حتَّى كأنَ أَمْرَ الْمُسْلِمين العامَّ هو صَاحِبُ العزم، وهذا معنى دقيق قد أدّته العبارة القرآنية بأبلغ إيجاز.
(9) قول الله عزّ وجلّ في سورة (الرعد/ 13 مصحف/ 96 نزول) :
{أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ... } [الآية: 17] .
جاء في هذا النصّ إسناد السّيلان إلى الأودية، مع أنّه للماء فيها، والملابسة المكانيّة أو المجاورة.
والغرض البياني الإِشعار بأنّ الناظر إلى الأوديّة المغمورة بماء السّيول، يُخَيَّلُ إليه أنّ الوِدْيانَ تَسِيلُ أيْضاً مع المياه الّتي تسيل فيها.
(10) قول الصَّلَتَان العَبْدي "هو قُثَمُ بْنُ خَبِيَّة" متوفى (80هـ) :
أشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِيـ ... ـرَ كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيّ
أسند فِعْلَيْ "أَشَابَ" و"أَفْنَى" إلى كَرِّ الْغَدَاةِ ومَرِّ الْعَشِيِّ، وهما لا يفعلان ذلك، لكنّهما زَمَنَانِ لِمَا يَحْدُثُ من تغييراتٍ فيهما بفعل الرّبّ الخالق وسُنَنهِ في كونه، فالملابسةُ الظرفية الزمانية.
(11) قول الشاعر يَصِفُ عين جَمَلِه بأنّه تجوبُ لَهُ في اللَّيْلِ الدّامِسِ الظلماء فيهتدي بهَدْيها:
تَجُوبُ لَهُ الظَّلْمَاءَ عَيْنٌ كَأَنَّهَا ... زُجَاجَةُ شَرْبٍ غَيْرُ مَلأَى ولا صِفْرِ
فأسند إلى عين الجمل أنّها تَجُوبُ للْجَمل الظَّلْماءَ، أي: تَخْرِقُ وَتَثْقُبُ لَهُ الظّلْماءَ فيرى بذلك طريقه، فجعل العين هي الّتي تفعلُ لصاحبها، والملابسةُ كَوْنُها أداة العمل.
الشَّرْبُ: القومُ يَشْرَبون ويجتمعُون عَلى الشَّراب.
والأمثلة على المجاز العقلي كثيرة جدّاً.
***