ولمّا كانت النَّفس الإِنسانية تَطْرَبُ للموسيقى، وترتاح لموازينها الحُلوة، وكان الشِّعر كلاماً يجري في بعض جداولها، وعلى بعض موازنيها، كان للشعر تأثير حلو على النُّفوس الإِنسانية، ويظهر هذا حتى على الأطفال الصغار، الذين يظهر شعرٌ طفليّ على بعض جملهم التي يردّدونها أو يغنُّون بها.
ويتفاوت النَّاس في مدى إحساسهم بهذا النَّوع من أنواع الجمال في الوجود، وفي تذوُّقهم له، لذلك نلاحظ أنَّ بعض النّاس يتأثّرون بالشِّعر أكثر من بعض، مع وجود أصل التأثّر عند كل النّاس إلاَّ نادراً.
وبعض النّاس لديه بالتكوين الفطري فِطْرَةُ نَظْم الكلام على ميزان شِعري.
وكلُّنا يعلم أنّ الكلام الموضوع في قالب ميزان شِعري أسرع إلى الحفظ، وأثبت في الذاكرة، وأسهل استدعاءً عند الحاجة.
فلا غَرْوَ إذن أنْ يكون الشِّعر عنصراً من عناصر الجمال في الكلام.
وهنا نقول: إنّ على أصحاب الأهداف النّبيلة والدّعوات الخيِّرة أنْ يُحسِنوا استخدام هذا اللَّون الجمالي من ألوان المؤثرات على النَّفس الإِنسانيَّة، وأن لا يَدَعوا ساحته للشعراء الذين يتَّبِعهم الغاوون، الذين هم في كل وادٍ من أودية أهواء النَّفس وشهواتها، وأودية الضلال والفساد في الأرض يهيمون، والذين هم يقولون ما لا يفعلون.
إنَّ الشِّعر سلاح من أسلحة الأدب، وهو وسيلة حياديّة بذاتها، إنْ استُخْدِمت في الخير كانت خيراً، وإنْ استُخدِمت في الشرّ كانت شرّاً.
وبوسع المصْلِحين ودُعاة الخير ممَّن لديهم القدرة على كتابة الشِّعر الرفيع أنْ يَلْبَسوا درع قول الله تعالى في سورة (الشعراء/ 26 مصحف/ 47 نزول) :
{إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الآية: 227] .