بعد أنْ وصف الله واقع حال معظم الشُّعراء بقوله تعالى فيها:
{والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 224 - 226] .
فالشعراء الذين يهيمون في كلّ وادٍ من أودية الضلال والهوى، والكذب والطعن في الناس ظلماً، والمدح لبعض الناس استجداء، والانتصار بغير حق، ويتبجّحون بشعرهم كذباً وزوراً، فيصفون أنفسهم بالشجاعة وهم الجبناء، وبالكرام وهم البخلاء، وبالعقل وهم السفهاء، وبالعفّة وهم الفُسّاق، ويتحدَّثون عن مغامرات غراميّة لم تحدث، فيفضحون بأكاذيبهم محصنات عفيفات، ويفتخرون بالحَسَب والنَّسب وهم صعاليك لا حَسَب لهم ولا نَسَب، ويَعِدون ولا يَفُون، ويُعَاهِدُون ويَغْدُرون، ويُظْهِرُون صدق الحبِّ وهم الطامعون، فهم يقولون ما لا يفعلون.
هؤلاء بزخرف الشِّعر الذين يملكون القدرة على صناعته والتأثير بفنونه إنَّما يتَّبعهم من النَّاس الذين سَفِهوا نفوسَهم، فخدعتهم الكلمة المزخرفة ولو كانت باطلاً وزُوراً، ودَعْوةً إلى الشَّرِّ والفساد في الأرض.
ومن هؤلاء شعراء الحانات، والمواخير، والليالي الحمراء، وشعراء الإِباحيّة، وشعراء المذاهب الضالّة الهدّامة.
أمّا الشُّعراء الذين يَلْبَسُون درع الاستثناء القرآني فقد برز منه في عصر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حسّان بن ثابت - وعبد الله بن رواحة - وكعب بن مالك".
واتَّخذهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلحة بيانيّة أدبيّة ضدّ شعراء أهل الكُفر والشّرك بالله، وكان يستحثُّهم أحياناً لمجاهدة الكافرين والمُشركين بشعرِهم.
وظهر في العصور الإِسلاميّة التالية شعر إسلامي كثير، ولكن ظلّت نسبة المبدعين من فحول الشّعراء في جانب الذين يَتَّبِعهم الغاوون هي النِّسبة الأكبر، أمّا