تَغْنَى بَسَاتِينُهَا الْقُصْوَى بِرُؤْيَتِها ... عَنِ السَّحَائِبِ مُنْحَلاًّ عَزَالِيها
كَأَنَّهَا حِينَ لَجَّتْ فِي تَدَفُّقِهَا ... يَدُ الْخَلِيفَةِ لَمّا سَالَ وَادِيها
مَحْفُوفَةٌ بِرِيَاضٍ لاَ تَزَالُ تَرَى ... رِيشَ الطَّوَاوِيِسِ تَحْكِيهِ وَتَحْكِيهَا
هذه الأبيات من شعر البحتري بمثابة عقد منظوم من التشبيهات البديعة، فلا تكاد تجد بيتاً فيها إلاَّ معتمداً على وصْفٍ تشبيهي بديع، يسُرُّ أصحاب الأذواق الأدبيّة.
وما أجدني بحاجة إلى الشرح والتحليل، لوضوح التشبيهات الصريحة والضمنيّة فيها، ويُعِينُ التعليق في الحاشية على فهم ما قد يكون غامضاً منه.
والبحتري وصَّافٌ سَهْلُ العبارة واضح الأسلوب.
(2) ومن التشبيه الحسن قول القاضي أبي القاسم التَّنُوخِي:
ولَيْلَةِ مُشْتَاقٍ كَأَنَّ نُجُومَهَا ... قَدِ اغْتَصَبَتْ عَيْنَ الْكَرَى وَهْيَ نُوَّمُ
كَأَنَّ عُيُونَ السَّاهِرِينَ لِطُولِهَا ... إِذَا شَخَصَتْ لِلأَنْجُمِ الزُّهْرِ أَنْجُمُ
كَأَنَ سَوَادَ اللَّيْلِ والْفَجْرُ ضَاحِكٌ ... يَلُوحُ ويَخْفَى أَسْوَدٌ يَتَبَسَّمُ
شبه عيون الساهرين في ليلة المشتاق الطويلة بالأنجم إذا شَخَصَتْ لْلأَنْجُم الزُّهْرِ في السماء.
وشبه صورة سواد اللّيل عند بدايات الفجر الذي يظهر ويخفى بإنسان ذي جسم أسود يتبسم.