وإذْ أعرضْتُ عن شرح هذه الأقسام وتحليل كلّ الأمثلة على وفقها فقد رأيت تقسيم الكناية إلى قريبة وبعيدة:

أمّا الكناية القريبة: فهي الكناية التي قلّت لوازمها الذهنيّة، أو كانت فيها العلاقة أو الملابسة بيْنَ المكَنَّى بِه والمكَنَّى عَنْه أمراً لا تتدخل فيه وسائِطُ ذوات عَدد، وهذه الكناية تكون في العادة وفي معظم الأمثلة واضحة ظاهرة، يَسْهُل على معظم الناس إدراكُ المقصود منها.

كأن نقول: فلانٌ ثَوْبُه طويل، وقلنسوتُه كبيرة، وحذاؤهُ يتّسع لقدمَيْن، أي: هو طويل القامة، عظيم الرأس، كبير القدم.

وقد تكونُ مع قُرْبها خفيّة إذا كان اللّزومُ فيها أو كانت العلاقة أو الملابسة بين المكنَّى به والمكنَّى عنه أمراً خفيّاً.

كأن نقول: فلانٌ عَيْنُه فارغةٌ، كنايةً عن كونه يحبُّ أنْ يشاهد كلّ شيء، ويَنْظُر إلى كلّ شَيْءٍ، فهذه الكناية يُتَوصَّل إلى المراد بها عن طريق لازم واحدٍ، فهي قريبة، إذْ يلزم من فراغ العين التي هي أداة النظر رغبة صاحبها بِمَلْئِهَا، وملْءُ العين إنّما يكون بالنظر إلى الأشياء التي تَسْتَحسنها.

لكنّ استعمال فراغ العين للكناية عن هذا المعنى غير متداول، فهي مع قربها في هذا المثال كناية خفيّة.

وأما الكناية البعيدة: فهي الكناية الّتي كثرت لوازمها الذهنية، أو كانت فيها العلاقة أو الملابسة بَيْن المكنَّى به والمكنَّى عنه تتدخلُ فيه وسائط متعدّدة.

وهذه الكناية تكُونٌ في العادة وفي كثير من الأمثلة خفيَّةً تحتاج إلى تأمُّلٍ وتفكير، لكثرة لوازمها الذهنيّة، أو لكثرة الوسائط الذهنيّة التي تُوصِل المكنَّى به إلى المكنَّى عنه، ممّا يجعل الانتقال إلى ما هو المقصود بالدلالة ممّا يختصُّ الأذكياءُ بسرعة إدْراكه، أمّا غَيْرُهُمْ فيُجْهدونَ أذهانهم للوصول إلى إدْراكه وفهمه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015