لا يَطْبُخُ الطعامَ لضُيُوفِه الكثيرين بنار الحطب الّذي يُخَلّف رماداً، إنّما يطبُخ لهم بالأفران الكهربائية أو الغازيّة.
وبهذا يظهر الفرق بين الكناية والمجاز، فالمجاز لا يصحّ معه إرادة المعنى الحقيقيّ للفظ، بل يتعيّن فيه إرادة المعنى المجازيّ فقط، مثل: خطب الأسَدُ المغوار خُطْبةً عظيمة في الجيش ألهب بها المشاعر، واستثار الحماسة. فلفظ "الأسد" هنا مجاز عن الرجل الشجاع، ولا يصحّ أن يُرادَ به معناه الحقيقي، وهو الحيوان المفترسُ المعروف.
وتدخل الكناية في عموم التعبير عن المراد بأسلوب غير مباشر، فهي ممّا يتوارى، أو يختفي بساتر، ويَدُلُّ على المقصود بلازم له، أو مقارن له، أو بطرفٍ من أطرافه، أو نحو ذلك.
***
أقسام الكناية:
قسّم البيانيُّون الكناية إلى كناية عن صفة، وكناية عن موصوف، وكنَاية عن نسبة حكميّة بين الْمُسْنَد والمسند إليه (= المحكو به والمحكوم عليه) وهذه الأقسام أقسامٌ تحليليّة غير ذات جدوى - عَلَى ما أرَى - في تربية ذوق بيانيّ أدبيّ، وقد رأيت الإِعراض عن شرح هذه الأقسام وتحليل الأمثلة على وفقها، والاكتفاء بذكر مثال لكلٍّ منها، والاهتمام ببيان ما هو ذو فائدة بيانيّةٍ أدبيّة.
* فعبارة: "طويل النجاد" كناية عن صفة هي طول قامته.
* وعبارة: "جاء قابض يده" كناية عن موصوف، أي: جاء البخيل.
* وعبارة: "إنّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ أَنْ تَزُولاَ" كناية عن نسبة إمداده لها بالبقاء في الوجود، كالكهرباء لبقاء النور في المصباح الكهربائي إذا انقطع إمداده انعدم النور منه، ولله المثل الأعلى.