كأن نقول: في يومِ كذا من أيّام الحرب فرح أهل المزارع الواقعة في أسفل المدينة، بما تدفق عليهم من سمادٍ بشري، كنايةً عن أنَّ أهل المدينة أصابهم رعْبٌ شديدٌ في ذلك اليوم، ألجأهم إلى استطلاق بطونهم، وقذف ما فيها داخل المراحيض التي صبّت على المجاري، وتدافعت حتّى وصلت إلى المزارع.
هذه كناية ذات لوازم بعيدة، وهي خفيّةٌ، لأنَّها غير متداولة، ويَحتاجُ إدراك المقصود بها إلى تأمّل.
وقد تكون مع كثرة لوازمها أو كثرة الوسائط بين المكنَّى به والمكنَّى عنه واضحة غير خفيّة، لتداولها، أو لوضوح الوسائط.
فإذا ذكر المادح العربيّ ممدوحه عن عرب البادية سكان الخيام بين قبائل عَرَب البادية، بأنّه كثير الرّماد، أدرك الجميع بسرعةٍ ودون خفاء أنّه جواد كريم مضياف، مع أنّ اللّوازم الذهنيّة بين المكنَّى به والمكنَّى عنه كثيرة.
إنّ كثرة الرّماد تستلزم كثرة إيقاد النيران، وكثرة إيقاد النيران تدلُّ على كثرة الطبخ، وكثرة الطبخ تدلُّ على كثرة الآكلين، وكثرة الآكلين عند رجلٍ من سكان البادية تدلُّ على احتفائه بالضيوف، وهذا يدلُّ على جوده وكرمه.
والسبب في عدم خفاء هذه الكناية مع كثرة الوسائط بين المكنَّى به والمكنَّى عنه، تداوُلُها في بيئة عرب البادية، فهم لا يرونها خفيّة.
* ويستعمل الناسُ فراغ العين كناية عن الحسَد، ومعلومٌ أنّ الحسَد لازم أبْعَدُ من حُبّ مشاهدة الأشياء، فَمَنْ رأى شيئاً حسناً رُبَّما استحسنه، ومن استحسن ربّما تَمنَّى لنفسه، ومن تمنّى ربَّما حَسَد.
فاللّوازم الذهنية الموصلة إلى الحسد متعدّدة، لكنَّ تداول استعمال فراغ العين كناية عن الحسد جعل المقصود بها أمراً غير خفيّ.