الصفة الرابعة: أنّ الربط بها يتَطَلَّبُ مُنَاسبَةً فِكْريّةً بَيْنَ المعطوف والمعطوف عليه بها تُسَوّغُ عند البلغاء هذا العطف.
فلا بُدّ من ملاحظة هذه الصفات لدى العطف بالواو حتى يكون الْعَطْفُ مستقيماً نَحْويّاً وبَلاَغيّاً، ما قد يَرَاهُ النحويُّ جائزاً بحسب القواعد النحويّة، قد لا يراه البلاغيُّ جائزاً إذا نظر إلى المعاني.
وبالنظر إلَى الصِّفَاتِ الأربع للواو العاطفة تظهر لنا الاحتمالات التالية للعطف بها أو عدم العطف بين الجمل التي لا محلّ لها من الإِعراب، والتي يُرَادُ رَصْفُ بعضها وَرَاءَ بعْضٍ.
الاحتمال الأول: أن يكون المعنيان في الجملتين السابقة واللاّحقة لا يتلاءم معهما مفهوم التغايرُ بينهما، لشدّة اتّحادهما أو لشدّة تقاربهما، أو كانت التالية منهما جواب سؤال مطويّ تستدعيه السابقة منهما.
وفي هذه الحالة لا يَصِحُّ بلاغيّاً العطف "بالواو" لأنّ الواو تقتضي التغايُر بين المعطوف بها والمعطوف عليه، وهذا العطف يُفْسِدُ المعنَى المقصود بالبيان.
لكن إذا كان ترك الواو يوهم خلاف المقصود، كان إدخال "الواو" بين الجملتين أمراً لازماً كأن يسألَكَ سائل: هل شُفِي معلّمكُمْ؟ فتقول له: لا. وشفاه الله، إذْ لو حذفت الواو لأوهم أنّك تدعو عليه بعَدَم الشفاء، والمعنى: لم يُشْفَ وشفاه الله.
الاحتمال الثاني: أنْ يكون بين الجملتين السابقة واللاحقة تغايرٌ في المعنى، ولكن ليس بينهما تناسبٌ أو تلاؤُمٌ فكريٌ يسمح بأن يُجْمَعَ بينهما برباطٍ تشير "الواو" الرابطة إليه حين العطف بها.
فإذا وُجِدَتْ هذه الواو الرابطة وكان واقع حال الجملتين خالياً من التناسب والتلاؤم، إذْ لَيْسَ بينهما خيوطٌ فكريّةٌ متلائمة، كان وجود الواو الرابطة بمثابة مُدّعٍ