يقتضي العطف بحرف من حروف العطف غير الواو، وهي: "الفاء - ثُمَّ - حتّى - بل - لَكِنْ - لا - أم" فالأصل العطف بالحرف الذي يقتضيه المعنى من هذه الحروف، ولا يُتْرَكُ هذا الأصل إلاَّ لغرضٍ من الأغراض الّتي يَقْصِدُها البلغاء، ومنها أن لا يريد صاحب الكلام بيانَ المعنى الذي يدلُّ عليه حرف العطف ذو المعنى الخاص، وإنْ كَانَ واقع الحال مطابقاً لدلالته لو عطف به، إذْ له غرضٌ في إغفال المعنى وعَدَمِ التعبير عنه، وهذا موضوع لا يحتاج بحثاً ولا تأصيلاً.
ولا بُدَّ من التَّنْبِيهِ أيضاً على أنّ عطف الجملة التالية على الجملة السابقة بالواو، إذا كان يُفِيدُ إشراكَها في حكمها، والمتكلّم لا يُريد أن يَدُلَّ على هذا الاشتراكِ لأمْرٍ ما، فإنّه لا يَرْبطُ الجملة التالية بحرف العطف، بل يأتي بها منفصلة، لئلا يدُلَّ كلامه على ما لا يريدُ بيانه والدلالة عليه، وهذا أيضاً موضوع لا يحتاج بحثاً ولا تأصيلاً.
إذن: ينحصر الكلام هنا في العطف "بالواو" أو عدم العطف بها، ضمن المقاصد الّتي يريد المتكلّم التعبير عنها والدّلالة عليها.
و"الواو" العاطفة التي يدور البحث هنا حول استخدامها عطافةً أو عدم استخدامها، بين الجمل التي لا محلَّ لها من الإِعراب، لها أرْبَعُ صفات:
الصفة الأولى: أنّها لمطلق الجمع، فلا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً ولا غير ذلك من معاني حروف العطف، سواءٌ أعطفت المفردات أَمْ عطفت الجمل.
الصفة الثانية: أَنَّها تُفِيدُ الإِشراك في الحكم في عطف المفردات وفي عطف الجمل التي لها محلٌّ من الإِعراب، لأنها مؤولة بالمفردات التي حلَّت محلّها.
الصفة الثالثة: أنّها تقتضي التغاير بين المعطوف بها والمعطوف عليه، فلا يُعْطَفُ بها المتَّحِدَان في المعنَى.