كذّاب، يدّعي وُجُودَ التَّنَاسُب والتلاؤم، وهو في الواقع غير موجود، وهذا أمْرٌ تنفر منه النفوس وتأباه، ولا يَسْمَحُ البلغاء وأهل الفكر باستخدامه.
ويستثنى من هذا أن يَحْدُث من ترك الواو بين الجملتين إيهام خلال المقصود، فَتُذْكَر الواو للدلالة على استئناف الكلام الذي بعدها، كأن يسألك سائل: هل أنت مذنب؟ فتقول: لا. وغفر الله لك.
الاحتمال الثالث: أن يتوافر في الجملتين السابقة واللاّحقة شرطا التغايُر في المعنى من جهة، والتناسب بين معنَيَيْهِما المتغايرين من جهة أخرى.
فإذا كان غرض المتكلّم أن يجمع بينهما برباط "واو" العطف الدّالة على مطلق الجمع مع التغاير والتناسُب بين مَعْنَيَيْهِما، ليَدُلَّ بها على ذلك، كان استخدامه هذا الرابط عملاً بليغاً، ويَدُلُّ على حِسٍّ مُرْهف، وذَوْقٍ رفيع، باستثناء بعض الصور الّتي يوجد فيها سبب في نظم الكلام يقتضي عدم العطف، كإيهامِ خلاف المقصود، مثل قول الشاعر:
وتَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا ... بَدَلاً أُرَاهَا في الضَّلاَلِ تُهِيمُ
إنّ جملة "وتَظُنُّ سَلْمَى" يناسبُها أن تُعْطَفَ عليها بالواو جملة "أُراها في الضلال تهيم" أي: هي تَظُنُّ بي شيئاً مخالفاً لواقع حالي، وأنا أرى جازماً أنَّها في هذا الظّنّ تهيمُ في الضلال.
لكنَّهُ لو عطفها "بالواو" لأوهم أنّ هذه الجملة معطوفة على جملة "أنَّنِي أبْغِي بِهَا بَدَلاً" أي: وتظُنُّ أيضاً أنني أراها في الضلال تهيم، وهذا خلاف مقصود الشاعر.
ملاحظة:
هذا التقسيم هو التقسيم الذي رأيته الأسهل والحاصر لمختلفِ الاحتمالات، دون إرباك الذهن، بمصطلحاتٍ متشعّبات، وتفريعات قلّما يستفيد منها من يريد