وهل قالوا: لفظةٌ متمكّنةٌ ومقبولة، وفي خلافه: قَلِقةٌ ونابيةٌ مستكرهة، إلاَّ وغرضُهم أن يُعَبِّروا بالتمكّن عنْ حُسْنِ الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناها. وبالْقَلَق والنُّبُوّ عن سوء التلاؤم، وأنَّ الأولى لم تَلْتَقِ بالثّانية في معناها، وأنّ السَّابقةَ لم تَصْلُحْ أنْ تكون لِفْقاً للتالية في مؤدّاها؟! ".

لِفْقاً: يَقْصِد أنْ تكون الكلمة ملائمةً ومُلْتَحمةً مع جارتها كَتَلاؤُمِ الشِّقِ المخيط بالشِّقِّ الآخر من الْحُلَّة.

يقالُ لغة: حُلُّةٌ ذاتُ لِفْقَيْن، أي: ذاتُ شِقّينِ مُنْضَمَّيْنِ معاً بالخياطة، ولا يُقال للشِّقّ "لِفْقٌ" إذا فُتِقَتِ الخياطَة الضّامَّةُ لهما.

(7) وذكر السَّكَّاكِيُّ مثالاً للكلام الذي ليس بين مفرداته ترابط فكري، فالجمع بينها في حكم واحدٍ غير مقبول في الذوق الأدبيّ، وإن كان مطابقاً للواقع، أن يقول القائل: "الشمس، ومرارة الأرنب، وألف باذنجانة، مُحْدَثَة".

أقول: والسبب في عدم قبول مثل هذا الجمع أنّ الذّهن إمَّا أنْ يَقْرن بين الأشباه والنظائر، أو بَيْنَ المتجاورات في الواقع، أو بين الأضدّاد، لأنَّ استدعاء الذهن للأضدّاد، أسرع من استدعائه للنظائر، وينفر من جمع مفردات متباعدات لا يجمعها تشابه أو تجاوز، أو تضادّ، لأنّ شريط السلاسل الفكريّة ذو نظامٍ فطريّ مُحْكَمِ الترابط، أمّا الالتقاط العشوائي دون ملاحظة أنظمة الترابط الفكريّة الفطريّة فهو لا ينسجم معها، والنفس الإِنسانية تنفر منه بسبب ذلك.

(8) وجاء في مُدوَّناتِ الأدب أنّه: اجتمع "نَصِيبُ بن رَباح" وهو من فحول شعراء القرن الأول الهجري، و"الكُمَيْت" وهو أيضاً من فحول الشعراء في عصره، و"ذو الرّمّة" وهو من فحول شُعراء الطبقة الثانية في عصره، فأنْشَدَ الكميتُ صاحبيْهِ قصيدتَهُ التي في مَطْلعِها: "هَل أَنْتَ عَنْ طَلَبِ الأيفاعِ مُنْقَلِبُ" حتَّى إذا بلغ إلى قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015