المتحفِّظ: هو المحترز الذي يحاول الضبط وعدم الانزلاق إلى ما لا يُحْسِن، أو الذي بَذَلَ جَهْداً حتَّى حفظ النصّ وأتقنه أجزاءً، ومع ذلك فهو يكِدُّ لِسَانَه: أي يُتْعِبُه ويُجْهِدُه.
قال الجاحظ في كتابه: "البيان والتبيين":
(أمّا قول خَلَفٍ: "وبَعْضُ قريضِ القوم أَبْنَاءُ عَلَّة" فإنّه يقول: إذا كان الشّعرُ مستكْرَهاً، وكانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقَعُ بعضُهَا مُمَاثلاً لبعضٍ كان بينهما من التنافر ما بين أبناء الْعَلاَّت، وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إلى جنب أختها مُرْضياً موافقاً، كان على اللّسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة) .
وقال أيضاً: وأنشدني أبو البيداء الرِّياحي:
وشِعْرٌ كَبَعْرِ الكَبْشِ فَرَّقَ بَيْنَهُ ... لِسَانٌ دَعِيٌّ في الْقَرِيضِ دَخِيلُ
وعلّق الجاحظ بقوله:
"وأمّا قوله: "كَبَعْرِ الكَبْش" فإنَّما ذهب إلى أنَّ بَعَرَ الكَبْشِ يقع متفرّقاً، غَيْرَ مؤتلف، ولا متجاور، وكذلك حروف الكلام، وأجزاء البيت من الشعر، تراها متفقة ملساء، وليّنة المعاطف سهلة، وتراها مختلفة متباينة، ومتنافرة مستكْرَهة، تَشُقُّ على اللِّسَانِ وَتَكِدُّهُ، والأخرى تراها سهلةً ليّنةً، ورطبَةً مواتية، سلسلة النظام، خفيفةً على اللّسان، حتَّى كأنّ البيت بأسْرِه كلمةٌ واحدة، وحتَّى كأنّ الكلمة بأسرها حرفٌ واحد".
(6) وقال عبد القاهر الجرجاني في كتابه: "دلائل الإِعجاز":
"وهل نَجِد أحداً يقول: هذه اللَّفظة فصيحة إلاَّ وهو يعتبر مكانَها من النظم، ومن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفَضْلَ مؤانَسَتِها لأخواتها؟!