ومن أقوالهم في ذمّ الشعر الذي لا قِرَان له، ما أنشده ابن الأعرابي.
وبَاتَ يُنْشِدُ شِعْراً لاَ قِرَانَ لَهُ ... قَدْ كَانَ ثقَّفَهُ حَوْلاً فَمَاذَادَا
لا قِرَانَ له: أي: لا روابط بين مفرداته وجُمَله.
قد كان ثَقَّفَهُ: أي: قد كان قوّمه وعدّله، وعمل على إزالة الزوائد النابية منه.
فَمَاذَادَ: أي: فما استطاع أن يذود عنه ويُبْعِد الْعوج، ويُخَلّصَهُ من الزوائد النابية، لضعف ملكته الشعريّة.
(4) ووصفوا الشعر الرّاقي بالتماسُكِ والإِحكام، والتَّلاؤُم، والسَّلاسَةِ والتَّحَدُّر، نظراً إلى ما يشتمل عليه من حُسْنِ بناءٍ، وسَبْكٍ، وصِيَاغةٍ، ولِينٍ وسُهُولةٍ في النُّطْقِ، وعُذُوبةٍ في مجاري السَّمْع، وذلك بسبب ما في معاني كلماتَه وجمله من ترابط وتعانُقٍ وتلاحُمٍ موافق لما في فِطَرِ أنظمة الفكر وحركات مشاعر النفوس من تشعُّبَاتٍ شَجَرِيَّةٍ بديعةِ التواصل والتلاقي، من بزورها وجذورها حتى أقاصي فروعها، ما يتلاقى منها وما يَتَبَاعَدُ. وبسبب ما في الألفاظ من سهولة وتلاؤمٍ في النُّطْقِ وعُذُوبةِ طَرَقَاتِ موسيقاها على السَّمْع، مَعَ التلاؤم بين مخارج حروف الكلمات الْمُنْتَقَيات، والمعاني الّتِي يُراد أداؤها بها.
(5) وذكر الجاحظ قول "خلف الأحمر":
وَبَعْضُ قَرِيضِ الْقَومِ أبْنَاءُ عَلَّةٍ ... يَكِدُّ لِسَانَ النَّاطِقِ الْمُتَحَفِّظِ
أبناءُ عَلَّة: أي: أبناء ضَرَّة، الْعَلَّة الضَّرَّة، يقال: هم أبناءُ عَلاَّت أي: أبناء ضرائر، أبوهم واحد وأمَّهاتُهُمْ شتَّى. ومعلوم أنّ البناء العلاّت يحدُث بينهم جفوات وتنافر في أكثر الأحيان.
يَكِدُّ لِسَانَ النَّاطِقِ: أي: يُجْهِدُ لِسَانَ الرجُلِ النّاطِقِ الذي يُطاوعه لسانُه في النُّطق.