(ج) ولإِشراقات الذكاء في الأدب تأثير عظيم جدّاً في ارتفاع المستوى الأدبي:

إنّ التعبيرات غير المباشرة أو المباشرة بساتر عن الأفكار المقصودة بالذات لا تكاد تُحْصَر.

ويتفاوت النّاس فيها بمقدار تفاوتهم في القدرة على تصيّد المعاني التي لها بالأفكار المقصودة صِلَة يمكن عن طريقها الإِشارة إليها، أو الدّلالة عليها، ولو إلماحاً، أو من جانب خفي.

ومن الأسباب الجوهريّة في ارتقاء المستوى الأدبيّ للكلام ما يكون لدى المتكلّم أو الكاتب من قدرة في هذا المجال.

كالقدرة على تصيُّد الأشياه والنظائر، واستخدام بعضها لبعض، في الأمثال والتشبيهات، والاستعارات، وأنواع المجاز التي يُكَنِّي بها الأدب عن مراده، وكالقدرة على معرفة الروابط بين الأفكار، والانتقال فيها بين اللوازم والملزومات، والأجزاء والكل الذي يجمعها، والخاصِّ والعام، والمتناقضات والأضداد، وغير ذلك من المعاني ذات الترابط فيما بينها في الواقع أو في الفكر، فهي تتخاطر معاً ولو كانت متناقضاتٍ وأضداداً، ويستدعي بعضها بعضاً.

ولا بدّ مع ذلك من توافر الذوق الفنّي، والحسِّ الجمالي الرفيع، لوضع هذه الأشياء في مواضعها، بحسب مقتضى حال المخاطب، فرداً كان أو جماعة.

مثلاً:

اعتاد الأُدباء والشعراء أن يُشَبِّهوا الجواد بالبحر، لأنّ البحر ماؤه كثير، وعطاؤه وفير، فهو لا يمنع آخذاً منه، لكن إشراقات الذكاء مكَّنت الشاعر من أنْ يعطي هذا التشبيه المتداول زينةً جديدة مُحَبَّبة بتقسيم البحر إلى لُجَّةٍ وساحل، فقال في ممدوحه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015