فاشتمال الكلام على المعاني الجديدة المبتكرة - دون أنْ تكون قبيحة في ذاتها - هو من عناصر الجمال الأدبي، والزينة الجوهريّة في الكلام.
على أنَّ كلّ فكرة جديدة مبتكرة يستعذبها النّاس ويُعْجَبُون بها، قد تمسي مبتذلة مزهوداً فيها، متى تداولها النّاس واستعملوها كثيراً، باستثناء الأفكار التي هي بمثابة الخبز في الأكل، أو الملح في الطعام، أو الماء والهواء.
وما أوفر المعانيَ الجديدة التي يمكن استنباطها من كتاب الله عزَّ وجلّ، ويمكن إِرضاء عقول النّاس بها، وما على الدّعاة إلى الله إلاَّ أنْ يحسنوا الاستفادة منها.
ومن المبتكرات في المعاني ما تكون جِدَّتُه في الجمع والتركيب.
مثلاً:
إنّ التعبير الساذج عن عدم الْعَدْلِ في مجال الحبّ الذي يعاتب به الإِنسان العادي أميراً ذا مكانة، أنْ يقول له: يا سيّدي إنِّي أُحبُّك حبّاً عظيماً مع المحبِّين ولكنَّك لا تعامل حُبِّي بالعدل كما تعامل الآخرين.
إنَّ مشاعر هذا الإِنسان وقفت عند هذا الحدّ فأعطى هذا التعبير.
لكن المتنبّي بذكائه تجاوز هذه المشاعر الساذجة، فأدرك أنّ سيف الدولة أعدل النّاس، وأدرك أنّه هو الْحَكَمُ لو شاء أنْ يشكوه إلى حَكَم، ثم رجع فأدرك أنّه هو الخصم، ثم استدرك ليكشف أنّ الخصومة على حُبِّه وما يقتضيه هذا الحب.
كل هذه الأفكار والمشاعر قد اجتمعت وتراكبت! وتدخّل الذكاء فأحاط بها معاً، وتدخَّلت القدرة البيانيّة على التعبير عنها مجتمعة بطريقة تُفْهَمُ بلا تعقيد ولا كدٍّ للذِّهْن، فقال المتنبِّي لسيف الدولة:
يَا أَعْدَلَ النَّاسِ إلاَّ فِي مُعَامَلَتِي ... فِيكَ الْخِصَامُ وأَنْتَ الْخَصْمُ وَالْحَكَمُ