المثال الخامس عشر:
قول البحتريّ يمدح أبا الصقر:
وَكَمْ ذُدْتُ عَنِّي مِنْ تَحَامُلِ حَادِثٍ ... وَسُوْرَةٍ أَيَّامٍ حَزَزْنَ إلى الْعَظْمِ
فحذَفَ المفعول به لِفِعْل حَزَزْنَ وَهو "اللَّحْمَ" لدفْع تَوَهُّمِ إِرادَةِ غَيْرِ الْمُرَادِ ابْتِداءً، إذْ لَوْ قَالَ: "حَزَزْنَ اللَّحْمَ" لَجَاز أَنْ يَسْبِقَ إلى وهْمِ السَّامِعِ قَبْلَ ذكره ما بَعْدَهُ أن الحزَّ قد كان في بعض اللّحم ولم يَصِل إلى العظْمَ، مع ما في الحذف من إيجاز.
ذُدْتَ عَنِّي: دَفَعت وطرَدْتَ.
تَحَامُل حادث: شدّة حادثٍ ومشقته على نفسي.
سَوْرَةِ أيّام: هي شِدَّتُها وعُسْرُها.
حَزَزْنَ: قَطَعْنَ، كفِعْلِ السّكين في اللّحم دون الوصول إلى نهاية الطرف الآخر الذي يتمّ به الْفَصْلُ.
***
المثال السادس عشر:
قول البحتري أيضاً يمدح المعتزّ باللَّهِ:
شَجْوُ حُسَّادِهِ وغَيْظُ عِدَاهُ ... أَنْ يَرَى مُبْصِرٌ وَيَسْمَعَ وَاعٍ
فحذَفَ المفعول به لفِعْلَي: "يَرَى" و"يَسْمَع" لأنّه أراد تنزيل الفعل المتعدّي منزلة الفعل اللاّزم، فالمعنى: إنّ ما يَحْزُنُ أعداءَه ويَغِيظُهم أن يُوجَدَ راءٍ ما يرى ببصره، وسامعٌ ما يسْمَعُ، لئلا يرى محاسنه وفضائله ويسمع كلامه، ومن يثني عليه، ويُضَاف إلى هذا احتمال إرادة التعميم، أي: أن يوجد سامع يسمع أيّ شيء، وراءٍ يَرَى أيَّ شيء، إذ متى وُجد فلا بُدَّ أن يعرف محاسنه وفضائله فيُقَدِّمه.