إلصاق المنقبة في قومه بذكرهم عند ذكرها، وإبرازُها في جملة مستقلّة، وكان بإمكانه أن يعطف المناقب دون تكرير المسند إليه.

ومن هذا القبيل قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفاخراً في إحدى الغزوات: أنا النبيُّ لا كذِب، أنا ابْنُ عَبْدِ المطلّب.

***

المثال السادس:

ما جاء في شعر الشاعرة الخنساء، تُمَاضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، من بني سُلَيم، مُضَرِّية من أهل نجد، أشعر شواعر العرب، أدركت الجاهلية والإِسلام، ووفدت مسلمة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قومها بني سليم، ومن شعرها قولُها في رثاء أخيها صخر:

أَعَيْنَيَّ جُودَا وَلاَ تَجْمُدا ... أَلاَ تَبْكيَانِ لِصَخْرِ النَّدَى

ألاَ تَبْكِيَانِ الْجَوَادَ الْجَمِيلَ ... أَلاَ تَبْكِيَانِ الْفَتَى السَّيّدا

قالت هذا وهي في موقف الحزن، فَحَسُنَ في حِسِّها الملتهب بالمشاعر، وهي من أشعر الشواعر، أن تكرّر قولَها تخاطب عينيها: "أَلاَ تبكيان" مع أن العبارة الأولى كانت كافيةً للدلالة على المقصود، حتى العبارةُ الأولى كان بالإِمكان فهمُ أصل المراد منها من قولها في الشطر الأول: "أَعينيَّ جودا ولا تجمدا" لكن في عبارة الاستفهام من أغراضٍ بلاغية ما ليس في عبارتي الأمر والنهي، وفي فعل "تَبْكِيان" من دلالة على تجدِيد البكاء المتتابع ما ليس في "جُودا ولا تجمُدا" فقصدت إلى تعيين نوع البكاء، وأنّه ينبغي أن يكون بكاءً متجدّداً، فاستعملت الفعل المضارع الدالّ على هذا المعنى.

وبكت أخاها صخراً في شعرها، فجعلتها شاعريَّتُها تكرّر في مقام رثائها لأخيها وفجيعَتِها به عبارةً "وابكي أخاك" تخاطب نفسها على طريقة التجريد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015