وَابْكِي أَخَاكِ وَلاَ تَنْسَيْ شَمَائِلَهُ ... وابْكِي أَخَاكِ شُجَاعاً غَيْرَ خَوَّارِ

وابْكِي أخَاكِ لأَِيْتَامٍ وأرْمَلَةٍ ... وابْكِي أَخَاكِ لحَقِّ الضَّيْفِ والْجَارِ

لقد كان من الممكن أن تُعَدِّدَ ما تُرِيدُ من شمائل أخيها، دون أن تكرّر عبارة "وابْكي أخاكِ" لكنّها في مقام التوجّع والتفجُّعِ والرّثاء والنحيب، وفي هذا المقام الملتهب بمشاعر الحزن الحارّ، يحلو في أنْفُسِ ذواتِ الحزن التكرار، كما يَشْفِي تكرار تدفُّق الدموع.

المثال السابع:

هجا جرير قبيلة "سدوس" وذمَّهَا فكرّر في هجائه ذكر اسمها مع كلّ صفة ذمّ ذكرها لها، إمعاناً منه بإلصاق المثالب التي ذكرها بها إلصاقاً يُصاحِبُهُ التشهير، والإِذاعةُ بالتكرير، مع أنّه كان يكفي العطفُ في ذكر الصفات، دون إعادة ذكر اسم القبيلة التي يذُمُّها، فقال في هجائه:

أَخِلاَّئِي الْكِرَامُ سِوَى سَدُوسٍ ... وَمَالِي فِي سَدُوسٍ مِنْ خَلِيلِ

إِذَا أَنْزَلْتَ رَحْلَكَ فِي سَدُوسٍ ... فَقَدْ أُنْزِلْتَ مَنْزِلَةَ الذَّلِيلِ

وَقَدْ عَلِمَتْ سَدُوسٌ أَنَّ فِيهَا ... مَنَارَ اللُّؤْمِ واضِحَةَ السَّبِيلِ

فَمَا أعْطَتْ سَدُوسٌ مِنْ كَثِيرٍ ... وَلاَ حَامَتْ سَدُوسٌ عَنْ قَلِيلٍ

ففي البيت الأوّل يذكر جرير أنّه اتّخذ أخلاءه الكرام من غير سدوس، وأنّه لم يتخذ منها خليلاً واحداً، مشيراً إلى انعدام الكرام فيها.

وفي البيت الثاني يخاطب نفسه وكلّ مسافر بأنّه إذا أنزل رحله في أرض سدوس لم يجد لديهم مقاماً كريماً، بل يجد نفسه قد أُنْزِل منزلة الذليل، لأنّ سدوساً أذلاء لا عزّة لهم وَلا مَنَعة عندهم.

وفي البيت الثالث يذكر أنّ سدوساً تَعْلَم من أنفسها أنّها منار اللُّؤْم بين القبائل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015