المثال الثالث:

في قصّة إبراهيم عليه السّلام وتحطيمه أصنام القوم التي كانت على أشكال الناس، إلاَّ كبيراً لهم، وذلك حين خرج القوم من بلدتهم لعيدٍ لهم ولم يخرج معهم إبراهيم عليه السلام، جاء فيها بيانُ سؤال قومه له عمّن حطّم أصنامهم، فأجابهم عليه السلام جواباً فيه تعريض بغباوتهم، إذْ ذَكَرَ في كلامه ما يُمْكن فَهْمُه لو حذفه، فقال الله عزّ وجلّ في سورة (الأنبياء/ 21 مصحف/ 73 نزول) :

{قَالُواْ مَن فَعَلَ هاذا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين * قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قالوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هاذا بِآلِهَتِنَا ياإبراهيم * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هاذا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} [الآيات: 59 - 63] .

لَقَدْ كَان يكفي أن يقول لهم: "بل فعله كبيرهم" أو يقول لهم: "بل فعله هذا" لكنّه شعر أنّهم أغبياء إذْ يُدَافِعونَ عن آلهتهم من الأصنام التي حُطِّمَتْ ولم تستطعْ أن تُدَافع عن أَنْفُسِها، ولم يُقْنِعهم تحطيمها بأنّها لو كانت تملك لأنفسها أو لغيرها نفعاً أو ضرّاً لحمت أنفسها من التحطيم، ولمنَعتْ مُحَطِّمَها من أن يجعلَهَا جُذاذا.

ومن كان يمثل هذا الغباء فإنّه يُناسبُه أن لا يُحْذَفَ له من الكلام ما يُمْكن أن يفهمه أقَلُّ النَاس ذكاءً وإدراكاً لدلالات القول.

***

المثال الرابع:

جاء في المأثور من الأقوال، ويُرْوى عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:

"اعمل لدُنيْاك كأنّكَ تعيشُ أبداً، واعْمَلْ لآخِرَتِكَ كأنَكَ تَمُوتُ غداً".

نلاحظ في هذا القول تكرير عبارة "اعمل" في الجملة الثانية، مع إمكان فهمها لو حُذفت، والغرض إرادة زيادة التقرير والإِيضاح، مع جعل كلّ جملة وحدةً مستقلّة.

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015