الجمال في الكلام، أو يراه يُحَقِّق له غرضاً بلاغيّاً لا يحقِّقُه له الاحتمال الآخر، فإنّ عليه أن يكون دقيق الملاحظة في خصائص الاحتمالات وفُروقِ دلالاتها، ويُحَدِّد منها ما يدعوه إلى ما يختار من ذكر العنصر من عناصر الجملة التي يُنْشِئُها أو حذفه.
فإذا ذَكَرَ العنصُرَ وكان بالإِمكان إدْراكُ المخاطب معناه لو لم يَذْكُرْه، فينبغي أن يكونَ ذكره له مستنداً إلى داعٍ بلاغيٍّ رجَّحَ لَدَيْه ذكْره.
وإذا حذَفَ الْعُنْصُرَ الذي يُمْكن إدْراكُ المخاطب معناه لو لم يذكُرْهُ، فينبغي أن يكون حذفُه له مستنداً إلى داعٍ بلاغيٍّ رجّح لَدْيه حَذْفه، وأدنَى ذلك الرغبةُ في الإِيجاز والاقتصادِ في القول، والبُعْدِ عن الإِسراف فيه، وإيثار جِسْمٍ للعبارة مُكْتَنِزٍ مُضمِّرٍ، على جِسْمٍ مُتَرَهِّلٍ مُنتَفخٍ لا رصانة فيه ولا قُوّة ولا جزالة.
فلكلِّ من الذكر والحذف مقامٌ ينَاسِبُه، وحالٌ تقتضيه.
* وقد نَبَّه البلاغيُّونَ على طائفةٍ من دواعي الذكر، وطائفةٍ أخرى من دواعي الحذف، وأشاروا إلى أنّ ما ذكروه من ذلك لا يُمَثِّل إحصاءً شاملاً لكلِّ الدواعي، وإنّما يُقَدِّم صُوراً ونماذج يمكن أن يهتدي بهديها الباحثون، ويَحْذوا حذوها، وأن تكون لديهم منطلقاتٍ للبحث الذكيِّ الفطن اللّماح في هذا المجال.
***
(2) دواعي ذكر العنصر مع إمكان إدراك معناه لدى حذفه
ذكر البلاغيّون طائفةً من دواعي ذكر العنصر الذي يُراد الإِعلام به من عناصر بناء الجملة، مع إمكان فهم معناه العامّ لدى حذفه، وهذه الدواعي تُحَقّق أغراضاً بلاغيّة يَهْدِفُ إليها المتكلمّ البليغ.