الداهية العجمي "أرطبون" حاكم القدس، مُدَّعِياً أنه رسول أمير جيش المسلمين إليه.
وفَطِن "أرطبون" أنّ مثل هذا الرسول لا بدّ أن يكون هو أمير جيش المسلمين، فأمَرَ خاصَّتَهُ بأن يقتلوه قبل أن يخرج من المدينة، ووصل الخبر إلى عَرَبيٍّ في القدس يَعْرِف عمرو بن العاص، فقال له بعد أن خرج من قصر "أربطون" يَا عَمْرو أحسنْتَ الدُّخول فأحْسِنِ الخروج.
ففطن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنّ أَرْطَبون شكّ في أمْرِه فأمَرَ سِرّاً بقتله، فعاد إلى "أرطبون" وزعم له أنّه واحدٌ من عشرةِ هم أهْلُ مشورة أمير جيش المسلمين، فإنْ رأيْتَ أن آتيكَ بهم ليسمعوا منك الذي سَمِعْتُه أنا منك، فتكون موافقتهم أوثق للأمر الذي تفاوضنا فيه، فطمع "أرطبون" بقتل العشرة فأَمَر سرّاً بعدم قتله، حتّى يأتيه ببقيّة أهل مشورة الأمير كُلِّهم فيقتلهم، ونجا عمرو بن العاص بهذه الحيلة الذكيّة.
* ونلاحظ أنّ في كثيرٍ من الجمل العربيّة مخاذيفَ واجبَة الحذف أو جائزَته، قد لوحظ فيها أن المحذوف هو من الأكوان العامّة الّتي تُفْهَمُ بالْفِطْنَة دون أن تُذكَر، أو من الضمائر التي يُوجَدُ في الملفوظ من الكلام ما يَدُلُّ عليها، أو ممّا يسْهُلُ إدْراكُه ولو لم يُوجدْ في الكلام لفظ خاصٌّ يَدُلُّ عليه.
وقد اعتاد أهل اللّسان العربيّ على حَذْفِها دواماً، أو أحياناً، لأنّ اللٍّسان العربيَّ مَبْنِيٌّ في مُعْظَم تعبيراته على الإِيجاز، وحذْفِ ما يُعْلَم ولَو لَمْ يُذكر، وهذا من مزايا اللّغة العربيّة.
* وحينما يكون المتكلّم العربيّ الْبَلِيغُ أمام احتمالَيْنِ جائزيْنِ في اللّسان العربي كالذِّكْر والحذف، ويَرَى أنَّ كُلاًّ منهما يُحَقِّق توصيل ما يُريدُه من المعاني، إلاَّ أنّ أحدهما أكْثَرُ تأثيراً في المخاطب بحسب حاله، أو أكثر جمالاً لدى ذوّاقي