وقد ظهرت لي بعض دواعي أخرى لم يُصَرِّحوا بها، وهي تحقّق أغراضاً بلاغيّة وهذه الدواعي الَّتي ظهرت لي تُقاس على ما ذكروا وهي ممّا يقع في نفوس المتكلمين البلغاء، وله تأثيرٌ ما في المخاطبين.
وأُأكّد أنّه يَعْسُر إحصاءُ كلّ الدواعي الّتي تقوم في نفوس المتكلمين البلغاء لذكر ما يمكن حذفه، لذلك رأيتُ أن أعرض للدارسين ما ذكره البلاغيون، وأضيفَ إليه ما ظهر لي، وهي بمجموعها الدواعي السّتةَ عشر التالية:
الداعي الأول: الاحتياط بذكر العنصر، لضعف التعويل على القرينة فيما لو حُذِف، إذْ تكون القرينة غير كافية للدلالة عليه، ويخشى المتكلّم أن يَلْتَبِسَ المرادُ على المتلَقِّي إذا حذفه تعويلاً على القرينة التي يمكن أن تدُلَّ عليه.
الداعي الثاني: الإِشعار بغباوة المخاطب، وأنّه ليس من الّذين يُدْرِكون المراد بالقرائن، بل لا بدَّ من إعلامه باللّفظ الخاصّ الصريح الدّال على العنصر.
الداعي الثالث: إرادة زيادة الإِيضاح والتقرير، وذلك حين يكون الموضوع يقتضي ذلك، كأمور العقائد، وأحكام الحلال والحرام، والصِّيغ القانونيّة التي قد يتلاعبُ بمعانيها أصحاب الأهواء، ولا تكفي القرائن لإِلزامهم بالمعاني المرادة.
ويَحْسُنُ هذا الإِيضاح والتقرير في مجال تعليم مسائل العلوم، وفي الوعظ والإِرشاد، وفي مقام إثارة الحماسة وسائر العواطف، وفي البيانات والبلاغات العامّة للجماهير.
الداعي الرابع: إرادة التعظيم والتفخيم، ويظهر هذا في نحو الأسماء والألقاب التي يُشْعِر ذكْرُها بعظمة أصحابها وفخامتهم، وفيما يُثِير ذكرُه في النفوس المهابة أو الإِجلال.
الداعي الخامس: إرادة الإِهانة والتحقير، ويظهر هذا في نحو الأسماء