وتَظَلُّ كلماتٌ يسْهُلُ نُطْقُها على النّاس بالتداولِ في تَعاملاتِهمُ اليوميّة، ولو لم تكُنْ راقيةَ النغمات في تركيب حروفها، ولا عذْبةً في الأَسماع، ولكنْ بقيتْ في التداوُلِ بتأثير العادة، والحاجة إلى تداوُلها اليوميّ في تَعَامُلاتِ النّاس.
وهذه الكلماتُ يبتَعِدُ عَنْها أدباءُ الْقَومِ وشُعَراؤُهم وخُطباؤهم وكُتَّابُهم لدى إنشاء كلامهم المجوّدِ الْمُحَسَّنِ الذي يحرصُونَ على أنْ يكون له شأنٌ بينهم.
فظهر بسبب ذلك صنف من الكلمات ضِمْنَ اللُّغَةِ الواحدة، يوصَفُ بأنّه فصيحٌ، وصنْفٌ آخَرُ يوصَفُ بأنَّهُ غيرُ فصِيح.
ثُمَّ لدى تركيب الكلمات في الْجُمَلِ التي تدلُّ على المعاني الَّتِي يرادُ تعريفُ المخاطبين بها، قد ينشَأُ من التركيب قساوةٌ أو صعوبةٌ في النُّطقِ، أو استقباح واستغلاظٌ ونُفْرَةٌ منْهُ في الأسماع، فلا يكون الكلام في هيئته التركيبيَّةِ فصيحاً، على الرغم من فصاحة مفرداته قبل اجتماعها في هذه الهيئةِ التركيبيَّةِ الخاصّة.
فظهر بسبب ذلك ما يُسَمَّى به الكلامُ المركّبُ فصِيحاً أَوْ غَيْرَ فصيح.
لذلك نلاحظ أنَّ من يختار لكلامه مفرداتٍ فصحيةً، وينظمها في كلامه نظماً ملائماً فصيحاً، مع التزامه بضوابط قواعد اللّغة وأحكام أهل اللّسان النحويَّةِ والصرفية، فإنَّه يصِحُّ أنْ يُسَمَّى ناطقاً فصيحاً.
فصارت الفصاحة بهذا التحليل وصفاً للكلمة، وللكلامِ، وللمتكلّم.
* فيقال: كلمة فصيحة، ويُقَابلها: كلمة غير فصيحة.
* ويقال: كلامٌ فَصيحٌ، ويُقابله كلامٌ غيْرُ فصيح.
* ويقال: متكلّمٌ فصيح، ويُقابله: متكلّم غير فصيح.
وتختلف الأمم في أوضاعها اللغويّة، وفي أساليب كلامها، وتعبيراتها، وفي أذواقها، ومَا يلين من الكلمات والحروف في ألسنتها، وما يصُعُب ولا يلين عليها،