الوجه الثالث: أن يكون ما جاء به المُغِيرُ دُونَ ما جاء به السابق في بلاغته، وهذا تقصير مذموم.
قالوا: ومن أمثلة هذا الوجه قولُ أبي تمّام وهو السابق:
هَيْهَاتَ لاَ يَأْتي الزَّمَانُ بِمْثْلِهِ ... إنَّ الزَّمَانَ بِمِثْلِهِ لَبَخِيلُ
أغار عليه أبُو الطّيب فقال:
أعْدَى الزَّمَانَ سَخَاؤُهُ فَسَخَا بِه ... ولَقَدْ يَكُونُ بِهِ الزَّمَانُ بَخِيلاً
الشطر الثاني من بيْتِ أبي الطّيّبِ مأخُوذٌ مِنْ أبي تمّام، إلاَّ أنَّ قول أبي تمّام: "إِنَّ الزَّمَانَ بمثْلِهِ لبَخِيلُ" أبلغ من قول المتنبي: "وَلَقَدْ يكُونُ بِهِ الزَّمَانُ بخيلاً" ففي عبارة: "ولَقَدْ يكُون" قُصُورٌ عن المعنَّى المجزوم به المؤكَّد في عبارة أبي تمَّام: "إنَّ الزَّمَانَ بِمِثْلِهِ لَبخِيلُ" وهذا واضح.
أما الشطر الأول من بيت المتنبّي فقد جاء بنحوه أبو تمّام في قوله:
عَلَّمَنِي جُودُكَ السَّمَاحَ فَمَا ... أَبْقَيْتُ شيئاً لَدَيَّ مِنْ صِلَتِكْ
ولأبي تمّام السبْقُ.
***
النوع الثالث: "السَّلْخُ" ويقال له "الإِلمام":
وهو أن يأخُذَ السَّالِخُ المعنى فقط دون اللّفظ، ولهذا النوع ثلاثة وجوه أيضاً:
الوجه الأول: أن يكون ما جاء به السَّالخ المُلِمُّ أحْسَنَ سَبكاً وبلاغةً ورصانة تعبير، وهو عَمَلٌ رَشيد ومَسْلَكٌ حميد، ومن أمثلته على ما ذكروا قول "البحتري" وهو السابق:
تَصُدُّ حَيَاءً أَنْ تَرَاكَ بِأَوْجُهٍ ... أَتَى الذَّنْبَ عَاصِيهَا فلِيمَ مُطِيعُها
أي: من أجل ذنوب الوجوه العاصية تُلاَمُ الوُجُوه المطيعة.