أخذ ابْنُ نُباته هذا البيت وصاغَهُ صياغة أخرى فقال:
خَلَقْنَا بِأَطْرَافِ الْقَنَا في ظُهُورِهِ ... عُيُوناً لَهَا وقْعُ السُّيُوفِ حَواجبُ
فزاد ابن نباتة معنى انهزامهم لشدّة رُعْبِهِمْ، ومطاردتهم، ونَقَلَ من السابق فكرة فتح العيُونِ ولكن في ظهورهم، ورسم الحواجب بالسُّيُوفِ فوقها، فاستُحْسِنَ عَمَلُ ابنِ نباته.
وقد يقال: إنّ بَيْتَ السّابق دلَّ على شدّة البأس، والسَّبْق إلى ضرب العدوّ قبل أن يتمكّن من الانهزام، وهذا أدَلُّ على الجرأة وسُرْعة الإِقدام.
الوجه الثاني: أن يكون جاء به المغير مساوياً لما جاء به السابق في بلاغته.
وهذا الوجه غير ممدوح ولا مذموم، على أنّ الفضل للسابق بلا ريب، ومن أمثلة هذا الوجه، قول أبي تمَّام وهو السابق:
لَوْ حَارَ مُرْتَادُ المَنِيَّةِ لَمْ يَجِدْ ... إلاَّ الفِرَاقَ على النُّفُوسِ دَلِيلاً
أي: لو حار طالب المنيَّة لأحدٍ في اتّخاذ وسيلة لا تُكلِّفهُ عنتاً لم يجد إلاَّ وسيلة فراق الأحبّةِ.
أغار عليه المتنبي وصاغه بأسلوبه فقال:
لَوْلاَ مُفَارَقَة الأَحْبَابِ مَا وَجَدَتْ ... لَهَا المَنَايَا إِلى أَرْواحِنَا سُبُلاً
قالُوا: البيْتانِ متكافئان في بلاغتهما.
أقول: بيت المتنبّي أدَقُّ وأوضحُ وأشْعَرُ، فقد خصّص الفراق بفراق الأحباب، ولم يتكلّف كما تكلّف أبو تمام بقوله: "مْرْتَادُ المنيّة" والمنايا لا تحتاج دليلاً يدلُّها على النفوس إنّما لها سُبُل، وهذا ما اختاره المتنبي، فهو في عمله مُغِيرٌ مُجِيد، ومُستَفِيد مُحْسِن.