وفي هذه الحالة لا يُعْتَبَرُ اللاّحق سارقاً من السابق، ولا معتدياً على حقّه الأدبي.

الحالة الثالثة: "السّرقات الأدبيّة":

وهي الّتي يسْطو فيها اللاّحقُ على ما أبدعه السابق، من المعاني والعبارات، والتشبيهات، والاستعارات، والمجازات، وغير ذلك من مبتكرات الأفكار.

وهذه هي التي يُقال فيها: فلانٌ السابق، وفلانٌ سرَقَ منه، أو فلان السابق، وأخذ الَّذِين جاؤوا من بعده فكرتَه، أو عبارته، أو أسلوبه، أو نحو ذلك.

وهي التي يقال فيها: فلانٌ جاء بفكرة كذا، وأخذها منه فلان، فزاد عليها، أو نقص، أو أحْسَنَ الصياغة أو أساءها، أو استغلّها في موضوع آخر غَيْرِ الموضوع الذي أوردها فيه مبتكِرُها الأوّل.

ومن أمثلة الإِبداع الذي لم يُسْبَق إليه مُبْدِعُهُ من الشعراء، أنّ أبا تمّام أَنْشَدَ قصيدته السينيّة التي مطلعها:

*مَا فِي وُقُوفِكَ سَاعةً مِنْ بَاسِ * نَقْضي حُقُوقَ الأَرْبُعِ الأدْرَاسِ*

حتّى وصَلَ إلى قوله فيها:

إِقْدَامُ عَمْرو في سَمَاحَةِ حَاتِم ... في حِلْم أحْنَفَ فِي ذَكاءِ إِيَاسِ

عندئذٍ قال الحكيم الكِنْدِي: وَأيُّ فَخْرٍ في تشبيه ابْن أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟!.

فأطْرَقَ أبو تَمَّام ثُمَّ أَنْشَد:

لاَ تُنْكِرُوا ضَرْبي لَهُ مَنْ دُونَهُ ... مَثَلاً شَرُوداً فِي النَّدَى والْبَاسِ

فَاللَّهُ قدْ ضَرَبَ الأَقَلَّ لِنُورِهِ ... مَثَلاً مِنَ المِشْكَاةِ والنِّبْراسِ

فابتكر بهذا معنىً لم يَسْبقْهُ إليه أحد، فمن أتى بعده بهذا المعنى أو ببعضه عُدَّ سارقاً، أو مُقْتَبساً، أو مُقَلِّداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015