مثل هذا قد يحدث على سبيل الندرة، ولكنّ الشعراء والكتّاب كثيراً ما يَسْرِقُ بعضهم من بعض، ويدّعون لأنفسهم أنّهم مبتكرو الأفكار، ومبتكرو الصياغة الرفيعة، وليسوا ناقلين ولا مقلّدين ولا سارقين.

ونظير هذا يحدث في كلّ الإِبداعات والابتكارات، كالألحان الموسيقية، والمكتشفات العلميّة والصناعية، والمؤلفات في الكتب.

وقد اهتم علماء البلاغة بهذا الموضوع، فدوّنوا في علوم البلاغة بحثاً يتعلّق بالسّرقات الشعريّة وتواطؤ القرائح واتفاقها، ورأوا أنّ التوافق له حالات ثلاث:

الحالة الأولى: "الْمُوارَدة":

وهي أن يتّفق المتكلّمان في اللّفظ والمعنى، أو في المعنى وحده، ولا يُعْلَم أخْذ أحدهما من الآخر.

قالوا: إنّ مثل هذا يمكن أن يكون من اتفاق القرائح وتوارد الأفكار من غير أن يَسْرِقَ أحَدٌ من الآخر، ولو كان أحدهما متأخراً زمناً.

ومن أمثلة هذه الحالة أنّ ابن الأعرابي أنشد لنفسه قوله:

مُفِيدٌ ومِتْلاَفٌ إِذا مَا أتَيْتَهُ ... تَهَلَّلَ واهْتَزَّ اهْتِزَازَ المُهَنَّدِ

فقيل له: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ هَذا لِلْحُطَيْئَة.

فقال ابن الأعرابي: الآن عَلِمْتُ أنّي شاعر، إذْ وافَقْتُهُ على قولِهِ ولم أسمعه إلاَّ السّاعة، أي: لم يَسْمَعْ قول الحطيئة إلاَّ في هذه الساعة.

قالوا: وحين لا يُعْلَمُ أخذُ اللاّحق من السابق فالعبارة المهذّبة التي لا اتّهام فيها أن يُقال: قال فلانٌ كذا، وقد سبقه إلى هذا المعنى أو إلى نحوه فلان، فقال كذا.

الحالة الثانية: "الاشتراك العامّ":

وهي التوافق في الأغراض وفي الأفكار والمعاني المتداولة، الّتي يشترك معظم الناس بإدْراكها، سواء تناقلها بعضُهُمْ عن بَعْضٍ أو لم يتناقلوها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015