وقلنا: أن الغرض من ذلك هو المبالغة في اتصاف المشبه به بوجه الشبه، وإيهام أن الوجه في المشبه به أشهر وأقوى منه في المشبه، وكذلك يكون الغرض العائد على المشبه به في حال ما إذا كان المراد بيان شدة الحاجة إلى المشبه به، كما قلنا: تشبيه الجائع البدر مثلًا في إشراقه استدارته بالرغيف، رغم أن الأصل أن يُشبه الرغيف بالبدر، لكنه عكس؛ لأن حاجته ماسَّة إلى الرغيف فجعله مشبهًا به.
كذلك مما خلصنا إليه: أن هناك فرق بين التشبيه والتشابه، وأن التشابه إنما يُراد به التساوي بين الطرفين في الصفة بخلاف التشبيه الذي يُلحق دائمًا فيه الأدنى بالأعلى.
كذلك من الأمور التي ينبغي أن نخلص إليها أيضًا: أن من خلال ما سبق نرى أن التشبيه باعتبار الغرض ينقسم إلى قسمين: فهناك تشبيه حسن مقبول، وتشبيه قبيح مردود، فالحسن المقبول ما كان محققًا للغرض الذي عُقد التشبيه من أجله، وافيًا به بأن يكون وجه الشبه أشهر وأعرف في المشبه به، وذلك في كل غرض من أغراضه، وأتم وأكمل إذا أُريد تأكيد الصفة وتقريرها في المشبه، كتشبيه السفن بالجبال، والرجل الضخم بالفيل، وإذا كان الغرض بيان المقدار فيجب أن يكون الوجه على درجة واحدة في الطرفين، كان الهدف بيان الإمكان؛ وجب أن يكون وجه الشبه مسلمًا به في المشبه به، حاصلًا فيه معترفًا به من المخاطب، وإذا كان الغرض من التشبيه عائدًا على المشبه به؛ فإن صفتي الوضوح والكمال تكونان أكثر في المشبه به على طريق التخييل والادعاء، إلى آخر ما وقفنا عليه من حديثنا عن أغراض التشبيه.
أما التشبيه القبيح المردود: فهو ما أخلَّ بالغرض المقصود من التشبيه ولم يفِ به، إما لعدم وجود شبه بين الطرفين، أو لكون الوجه بعيدًا، أو غير واضح في المشبه به،