فما الذي اقتضى جعل غرة الفرس مثلًا مشبهًا، والصبح مشبهًا به، ثم العكس، أو جعل الشمس مشبهًا والمرآة مشبهًا به، ثم قلب التشبيه ما دامت المبالغة بالقلب غير مقصودة.
الجواب عن ذلك: أن الذي اقتضى ذلك ليس ملاحظة ما بين الطرفين من زيادة أو نقصان، وإنما ملاحظة أخرى ترجع إلى مقام الكلام، ومدار الحديث، فإذا كان الحديث يدور حول الفرس جعلت غرته مشبهًا، وإذا كان يدور حول الصباح جعل هو المشبه؛ لأن الحديث عنه والغرض من التشبيه متوجه إليه.
وكذا القول في الشمس والمرآة، أو الشمس والدينار كان الحديث يدور حول الشمس قدمت وجعلت هي المشبه؛ لأن العناية منصبَّة عليها، والحديث إنما هو عنها، دار الحديث حول الدينار، حول المرآة قُدِّم ما يدور حوله الحديث وجعل مشبهًا؛ لأنه موضع الاهتمام، والغرض من التشبيه متوجه إليه.
ونستطيع أن نخلص من كل ما ذكرنا إلى أن الغرض من التشبيه ركن من أركان التشبيه، وأن منه ما يكون الغرض عائدًا على المشبه مثل: إمكان وجوده، أو بيان حال المشبه بمعنى إيضاح صفته، وذلك إذا كانت صفة المشبه مجهولة، وحاله غير معلومة للمخاطب، أو بيان مقدار الحال، وذلك إذا كانت صفته معلومة للمخاطب، والمجهول مقدارها من القوة والضعف، أو الزيادة والنقصان، أو تأكيد حال المشبه وتقريرها في نفس السامع، أو تزيين المشبه وتجميله، أو تشويه المشبه وتقبيحه، أو إثارة الشعور باستحسان المشبه واستطرافه، فكل هذه أغراض تعود على المشبه.
وهناك أيضًا أغراض تعود على المشبه به وذلك -كما قلنا- يغلب في التشبيه المقلوب، وهو الذي يجعل فيه ما هو الأصل في وجه الشبه مشبهًا، وما هو الفرع مشبهًا به، والمثال واضح على ذلك قول الشاعر الذي سبق أن ذكرناه:
وغدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح