وإما كذلك لتنافي التشبيه مع الذوق السليم، ومجافاته للطبع القويم، وقد سبق أن ذكرنا أنه قد عيب على الشاعر قوله:
غيري جنى وأنا المعاقب فيكم ... فكأنني سبابة المتندم
وذكرنا أن وجه الشبه وهو معاقبة البريء وترك الجاني محقق في المشبه دون المشبه به؛ إذ السبابة جزء من المتندم، كأنما يعضُّ عليها عند ندمه تقع العقوبة عليه؛ لأن سبابته جزء منه، وعندئذ لا يكون المعاقب غير الجاني، وذكرنا أن الصلابة في مثل هذا هو ما جاء في قول النابغة يعتذر للنعمان بن المنذر:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمًا ذو إمة وهو طائع
لكلفتني ذنب امرئ وتركته ... كذا العرِّي يُكوى غيره وهو راتع
إذ قد شبه نفسه وقد أخذه النعمان بذنب لم يفعله، وترك معاقبة الجاني بحال البعير الأجرب إذا أريد شفاؤه، يقوم صاحبه بكيِّ بعير سليم خالٍ من الجرب؛ كي يشفى البعير المصاب الأجرب، وذلك بناء على ما اعتادت عليه العرب في الجاهلية، فمن هذه التشبيهات المعيبة، وغير المقبولة ما قاله آخر:
كأن شقائق النعمان فيه ... ثياب قد روينا من الدماء
فالتشبيه مصيب، وهو أن يشبه شقائق النعمان بالثياب، والوجه محقق، لكن العيب أتاه من بشاعة ذكر الدماء، وهو بصدد وصف زهر جميل في روض أنيق، فهذا أمر لا يليق، ومن ثَمَّ كان تشبيهًا مردودًا ومعيبًا وغير مقبولة، ولا نريد أن نطيل كثيرًا في هذه التشبيهات المعيبة غير المصيبة، لكن يهمنا أن نذكر ما كان منها حسنًا مصيبًا مقبولًا.
ويأتي ضمن هذه التشبيهات الحسنة المحققة للغرض ما يُسمى بالتشبيه الضمني، وهو التشبيه الذي يُفهم من المعنى ويتضمنه سياق الكلام، والفرق بينه وبين التشبيه الصريح، أن التشبيه الصريح يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، أما التشبيه الضمني فيُلمح فيه الطرفان من المعنى، ولا تُبنى جملته على إحدى صور التشبيه التي عرفناها، وغالبًا ما يكون المشبه به في التشبيه الضمني برهانًا وتعليلًا للمشبه، مثلًا قول أبي تمام:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي
وقد شبه الشاعر هنا حال الرجل الكريم المحروم من الغنى بقمم الجبال لا يستقر عليها ماء السيل، ولم يأتِ التشبيه صريحًا في صورة من صور التشبيه، بل جاء