ومما يفيد التشابه أيضًا قول صاحب بن عباد في الخمر:
رق الزجاج وراقت الخمر ... فتشابه فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
فهنا ادَّعى المساواة بين الخمر والكأس في الصفاء، فعدل عن التشبيه إلى التشابه، ثم أكَّد هذه المساواة بالبيت الثاني الذي أفاد أنهم أشكلا عليه؛ فلم يستطع أن يميز أحدهما عن الآخر، فالأصل إذن عند إرادة التساوي بين الطرفين استخدام كلمة تشابه، وهذا هو الأفضل والأحسن، لكن يجوز عند إرادة التساوي بين الطرفين في الصفة استخدام صيغة التشبيه كتشبيه غرة الفرس مثلًا بالصبح؛ لقصد المساواة بينهما أيضًا في وجه الشبه، وهو ظهور شيء منير في شيء مظلم، وكتشبيه الصبح بغرة الفرس دون أن نعدُّ ذلك من التشبيه المقلوب الذي يقتضي زيادة المبالغة، وكتشبيهه للشمس أيضًا بالمرآة المجلوة، والمرآة المجلوة بالشمس لمجرد اجتماعهما في الاستدارة والتلألؤ، دون نظر إلى ما بين نور الشمس ونور المرآة من تفاوت، ومنه تشبيه الشمس بالدينار الخارج من السكة في قول ابن المعتز:
وكأن الشمس المنيرة دينار ... جلته حدائد الضراب
وحدائد الضراب: هي الآلات التي تصكُّ بها العملة، فهنا نجد تشبيه الدينار بالشمس دون نظر إلى ما بينهما من تفاوت في الحجم ومقدار التلألؤ. ومن ذلك أيضًا تشبيه ظهور ضوء الصبح بين ظلام الليل بشيء أبيض على ديباج أسود في قول ابن المعتز:
والليل كالحلة السوداء لاح به ... من الصباح طراز غير مرقوم
فقد نظر إلى مجرد حصول بياض في سواد أكثر منه، ولم ينظر إلى التفاوت بين مقدار البياض في الصبح ومقداره في العلم الأبيض، وربما سأل سائل إذا كان الطرفان متساويين في وجه الشبه بغض النظر عما بينهما من زيادة أو نقصان،