وغرته أضوأ أم البدر، ونحو ذلك، وقفت المبالغة عند حد المساواة بين وجه الممدوح والصبح، وبين غرته والبدر في الإشراق والإضاءة؛ فلم يصلا إلى مرتبة التشبيه في البيت الذي أفاد أصالة وجه الخليفة في الإشراق، وجعل نور الصباح مقيسًا عليه.
وفي القولين الأخيرين وهما قولنا مثلًا: نور الصباح يخفى في ضوء جبينه، ونور الشمس مسروق من نور وجهه، ونحو ذلك، جاءت المبالغة على نفس القدر الذي جاءت عليه في البيت مع فارق دقيق، هو أن المبالغة في المثالين مبالغة صريحة مكشوفة ليست مبنية على أصل مسلَّم في عقول الناس؛ لأنها سُبقت بأسلوب الخبر العام المتعرض للصدق والكذب.
أما المبالغة في البيت فهي مبالغة مستترة خفية؛ حيث بنيت على أصل ثابت في عقول الناس، وهو أن المشبه به في كل تشبيه أصل في وجه الشبه، والمشبه مقيس عليه، وتجرنا هذه المقارنة والموازنة إلى الحديث عن التشابه، فهل هناك فرق بين التشبيه والتشابه، نعم، ومثاله قول أبي إسحاق الصابي:
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فو الله ما أدري أبالخمر أسبلت ... جفوني أم من عبرتي كنت أشرب
أراد أن الدمع والمدامة تساويا في الحمرة، أو في الصفاء مساواة جعلته لا يستطيع أن يميز بينهما، ولذا عدل عن التشبيه واستخدم صيغة التشابه، وقد أكد هذه المساواة بالبيت التالي الذي أفاد وقوعه في الحيرة وعدم التمييز بين الدمع المسكوب والخمر المشروب.